في سبتمبر الماضي كتب أحد كتاب الأعمدة بطريقة كئيبة للغاية محذرا الخوض في مسألة العراق، قائلا: إذا ما كنا سنقوم بغزو العراق فيجب علينا أن نوطن أنفسنا لأسوأ الاحتمالات. بما في ذلك القتال من شارع إلى شارع، ولأنني أيضا كنت قد حذرت بشدة من الخوض في هذه الحرب قبل أن تبدأ. فأنا أرى أنه من الإنصاف أن نقوم بإلقاء نظرة على الماضي. وأعترف أن كثيرا من الأشياء التي كنت أشعر بالقلق منها لم تحدث. وكذلك أخطأ معي الكثير من الحمائم. لذا دعونا نرجع إلى الوراء ونتذكر ما قلناه ونحاول أن نقيم تلك الأقوال ونحاسب أنفسنا.
وبالرغم من تنبؤاتي الكثيرة التي تحققت في أعمدتي. فإن العراق لم تشن أي هجمات إرهابية داخل أو خارج الولايات المتحدة كما توقعت. كما أن العراق لم يستخدم الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية. كما لم يطلق صواريخ على إسرائيل أملا في توسيع نطاق الحرب. وكذلك لم تقم تركيا بغزو شمال العراق لمهاجمة الأكراد. أكثر ما أذهلني في تلك الحرب كان عدم استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل. وقد أخطأ كل من الحمائم والصقور في التنبؤ بذلك. فإذا كانت الولايات المتحدة قد استطاعت منعهم من استخدام هذه الأسلحة بطريقة أو بأخرى. فأنا أنحني انحناءة عميقة للرئيس بوش. ولكن إذا لم تكن لدى العراق أسلحة دمار شامل مطلقا سواء كيماوية أو بيولوجية. فحينئذ ينبغي على السيد بوش أن يقدم لنا الكثير من التفسيرات والتوضيحات بشأن القتلى من أبناء أمريكا والعراق الذين قضوا نحبهم في هذه الحرب.
أما فيما يتعلق بمخاطر حدوث قلاقل في باكستان والأردن فأعتقد أن الحمائم قد حاكوا الصقور في التحذير من ذلك. فقد تصاعدت تلك المخاطر بالفعل بصورة متكررة في كل من حرب الخليج الأولى ثم حرب أفغانستان ثم الآن مع حرب العراق.
ولكن أثبتت مخاوفنا أنه كان مبالغ فيها في كل مرة. ولكن في المجمل فإن الشارع العربي لم تحدث فيه المخاوف التي توقعناها في السابق.
أما فيما يتعلق بمستوى المقاومة فلم يستطع كلا الطرفين التنبؤ بصورة صحيحة. فنحن الحمائم استطعنا التنبؤ بصورة صحيحة أن الحرب لن تكون سهلة. ولكن كل ما خطته أقلامنا فيما يتعلق بإطالة أمد الصراع والقتال من شارع إلى شارع كان هراء.أما الذين أصابوا في ذلك فكانوا من الصقور أمثال ريتشارد بيرل ودوجلاس فيث وبول ولفويتز إلى حد قليل. والذين قالوا ذلك من عدة سنوات. وقد كتب السيد بيرل في مقال في الواشنطن بوست عام 1998 قائلا: لن يكون من الحكمة ولا من الضرورة لنا أن نرسل قوات مشاة إلى العراق. وذلك لأن العراقيين في المنفى يمكن أن يؤدوا ذلك الدور بأنفسهم تحت تغطية جوية من الأسلحة الأمريكية.
ولحسن الحظ. أن تومي فرانكس وكولن باول قد طالبا بالمزيد من القوات بدلا من الأعداد القليلة التي كانت معدة سلفا لهذا الغزو. أما فيما يتعلق برد فعل الشعب العراقي. فأنا أستطيع أن أقول إن الحمائم كانوا أكثر دقة من الصقور.
وفي الواقع أن رد الفعل قد اختلف بصورة كبيرة. فقد كانت هناك بعض الأماكن التي قوبلت بها قواتنا على أنهم «محررون» كما تنبأ دك تشيني من قبل. ولكن حتى في الجنوب حيث توجد الشيعة. فيشعر المرء أنه كانت هناك عداوة أكثر من الشعور بالامتنان.
أما هؤلاء الأمريكيون الذين شعروا بالسعادة بسبب أن العراقيين قد رحبوا بنا واستقبلونا كمحررين. فينبغي عليهم أن يسافروا في أنحاء العراق، فقد قمت بإطالة شاربي لكي أبدو مثل العراقيين لئلا يقذف السكان المحليون المعادون سيارتي بالحجارة (والآن قمت بحلاقة شاربي ثانية عندما رجعت للولايات المتحدة لئلا تقذفني عائلتي بالحجارة)!
كما بدت توقعات الصقور أنها كانت في غاية السذاجة فيما يتعلق بتوقعاتهم بأن العراق سوف يرفل في الديموقراطية الموالية للولايات المتحدة في فترة قصيرة. ولكن حتى الآن فإن الأشخاص الذين يحظون بدعم كبير في عراق ما بعد الحرب هم شيوخ الشيعة، مثل علي السيستاني. مقتدى الصدر . ومحمد باقر الحكيم (ممثل إيران). وكلهم وجهوا انتقادات للولايات المتحدة. وكما حدث في إيران. فإن طائفة الشيعة تعد الآن من أقوى الشبكات الباقية في العراق. وسوف تساعد على تحديد وصف تلك الحرب في العراق: هل كان الأمريكيون «غزاة» أم «محررين أصدقاء».. وأنا أخشى أننا الأمريكيين يجب علينا أن نتوخى الحذر.
* «نيويورك تايمز»
|