سعادة الأستاذ رئيس تحرير جريدة الجزيرة.. سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إشارة الى تناول الكاتب الفاضل الاستاذ حماد بن حامد السالمي موضوع اتخاذ بعض الكائنات رموزا للدول حيث ركز بشكل خاص على (الشجرة) في مقال جمع بين الموضوعية والشعر، على صفحة «مقالات» في جريدة الجزيرة الغراء العدد 11147 وتاريخ 4 صفر 1424هـ (5/4/2003م).
أتشرف بتوضيح الآتي:
قبل الدخول في طرح إضافي للموضوع، أود ان اشكر للكاتب الفاضل تناوله لهذا الموضوع ذي الأهمية التراثية والتوعوية، ولقد لفت اهتمامي عنوان المقال: (اجعلوا لنا شجرة كما لهم شجرة)؟! وهو على نمط ما قاله بنو اسرائيل لموسى على نبينا وعليه السلام: {قّالٍوا يّا مٍوسّى اجًعّل لَّنّا إلّهْا كّّمّا لّهٍمً آلٌهّةِ قّالّ إنَّكٍمً قّوًمِ تّجًهّلٍونّ} (الاعراف 138)، ذلك أنهم عبروا نهراً ومروا بقوم يعبدون الأصنام فأعجبوا بذلك وطلبوا من سيدنا موسى على نبينا وعليه السلام أن يجعل لهم صنماً كما لهؤلاء الناس يعبدونه! والفارق كبير بين ما نادى به قوم موسى عليه السلام، وما يدعو إليه زميلنا الكاتب من فكر راق متجدد.
والحقيقة أن المقال الناجح مثله كمثل الحجر يُرمى فوق سطح مائي ساكن، فيحركه وتتلاحق الأمواج في دوائر تنبعث من مركز الصدمة وتتسع وقد تحرك أجساماً أخرى تصطدم بها أو يبدأ في الفتور والتلاشي شيئاً فشيئاً ويهدأ السطح وكأن شيئاً لم يكن!
وقد استرعى المقال اهتمامي واهتمام زملائي من علماء باحثين بالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها وأخذ جانبا من جوانب اجتماعنا الأسبوعي الذي انعقد يوم الاثنين 5 صفر 1424هـ، ويدعو المقال، فيما يبدو لنا إلى أن تصبح شجرة النخلة هي الشعار الوطني قائلاً: (إن المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي جعلت من النخلة شعاراً وطنياً لها يقوم على سيفي الحق والعدل، حتى قبل طفرة النفط، حيث كانت النخلة تمثل الغذاء والكساء والدواء لسكان المملكة، وهي تمثل الخزن الاستراتيجي الوطني أوقات الرخاء والشدة)، وبهذا القول أسقطت جهيزة قول كل خطيب.
والحقيقة العلمية التي يجب أن توضح أولاً هي أن النخلة ليست شجرة في عرف علماء النبات، وقد يقلب هذا القول موازين العرف التقليدية! ولكنها الحقيقة العلمية، وتفسير ذلك أن رتبة النخيليات، التي تتبعها نخلة التمور، تقع بكاملها ضمن مجموعة الزهريات وحيدة الفلقة Monocotyledons، التي تفتقر إلى نسيج إنشائي يقوم بإنتاج عناصر الخشب التي تستخدم لنقل العصارة النباتية النيئة (الماء والعناصر المعدنية) واللحاء (لنقل العصارة النباتية الناضجة أو الغذاء المجهز).
ويتواصل نشاط هذا النسيج في الزهريات ذوات الفلقتين وفي عاريات البذور والتريديات، الخ ليزيد من قامة النبات طولاً وعرضاً، فيكثر فيها الخشب، فهي خشبية فهي (أشجار)، أما حين يغيب هذا النسيج فلا تتغلظ سوق النباتات، بل تظل نحيلة، فهي أعشاب، فالنخلة إذن هي نبات عشبي وليست (شجرة) بالتعريف العلمي، وعلى أية حال فالخطأ المشهور خير من صحيح مهجور!
وخلال نقاشنا حول الأمر تساءل البعض لماذا تقتصر المطالبة على أن تكون للمملكة شجرة وطنية فقط؟ ولماذا لا يكون هناك ايضا حيوان وطني وطائر وطني وزهرة وطنية.. إلى آخر ذلك وذهب آخرون إلى أنه إلى جانب شجرة وطنية للمملكة يمكن أن تكون هناك شجرة وطنية لكل منطقة من مناطقها، بل ولكل منطقة محمية من محميات المملكة وهذه أمثلة لما يمكن أن يكون.
فالمنطقة الشرقية التي تفتقر للأشجار بطبعها تضم قطاعاً واسعاً من الربع الخالي، الذي يتميز بأنواع للحياة الفطرية النباتية متوطنة فيه، لا توجد في أي مكان آخر في العالم، ولعل أشهر هذه النباتات هو نبات الزهر Tribulis arabicus، الذي يمكن أن يكون رمزاً وطنياً للمنطقة.
أما في المنطقة الوسطى، التي تضم العاصمة الرياض، وجامعة الملك سعود أعرق جامعات المملكة فلعل أبرز ما اهتمت به الدولة من النبات وهو (نخلة التمور)، تكون هي الرمز الوطني للمنطقة.
ولعل شجرة السدر أولى من غيرها رمزا وطنيا للمنطقة الغربية، أما المنطقة الشمالية حيث تكثر الحمم البركانية السود الخامدة، وتنعدم الأشجار عدا شجرة صغيرة هي اللويزة Prunus التي يمكن اتخاذها رمزاً وطنياً للمنطقة، وفي المنطقة الجنوبية، مأوى غابات العرعر، ليس اولى من شجرة العرعر رمزا وطنيا للمنطقة ومع كل هذا تظل نخلة التمور شامخة تمثل رمزا وطنيا للمملكة ككل.
وهنا قد يتساءل البعض عن الموطن الأصلي لنخلة التمور فنقول إنه ليس معروفاً على وجه الدقة فمن قائل إنها من أصل خليجي عربي ومن قائل إنها من أصل شمال أفريقي، والقول المرجح أنها نشأت في بلاد ما بين الرافدين أو في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهناك حاجة ماسة إلى المزيد من البحث الدقيق في تاريخ هذه النبتة المباركة. والمعروف أن الإنسان قد تنقل من مكان لآخر، ومعه ما استأنسه من نباتات وحيوانات يستوفي منها حاجته، ولذلك انتشرت النخلة وزرعت في مناطق كثيرة مختلفة من العالم في أوروبا وأمريكا واستراليا وغيرها.
نعود للنخلة، التي تواصل استزراعها بأعداد ضخمة فوق مساحات واسعة، باستخدام وسائل تقنوية مختلفة، وأساليب إكثار متطورة لعل أهمها حاليا تقنية زراعة الأنسجة. وفي غمرة اهتمام الإنسان بإكثار النخيل أهمل تاريخها ونسي موطنها الأصلي.
وقد يتساءل البعض، ما الداعي لذلك كله؟ هل من الضروري أن يكون لأية دولة رمز وطني نباتيا كان أم حيوانيا؟ وهو سؤال وجيه فنحن ندخل عصر العولمة الذي ستذوب فيه الفواصل بين الدول، ولكن بما أنه عرف متبع لدى كثير من الدول، يميز دولة عن أخرى فلا ضرر منه ولا مانع من تبنيه.
الوضيحي: هل هو حيوان «الحريش الخرافي»؟
هو حيوان قال عنه أمين معلوف: (حيوان بقرن واحد مصمت في وسط رأسه يسمى في المؤلفات العربية «الحريش» وعند قدماء الأفرنج أحادي القرن) Unicornis وهو نفسه الحيوان الموسوم على الشعار البريطاني.
ويزعم كثير من علماء الفرنجة أن «الحريش» هو «الوضيحي»، استنادا إلى ما رواه أرسطو بأن للوضيحي قرنا واحدا، والسبب في هذا التصور الخاطىء لوجود حيوان أحادي القرن هو أن الناظر إلى الوضيحي، ذي القرنين المتوازيين تماماً، يتراءى له أنه بقرن واحد، يقول أرسطو (نقلاً عن معلوف)، لم نر من ذوات الحافر ما له قرنان، ولكن توجد حيوانات قليلة جمعت بين الحافر والقرن الواحد، منها الحمار الهندي (الكركدن) والوضيحي (الأوريكس)، وزعم بعضهم أنه رأى «الحريش» في مكة المكرمة عام 1503م، وعلى أي حال فالمملكة أحق من غيرها بعودة الوضيحي رمزاً وطنياً لها.
وختاماً فإنني أشكر للكاتب الفاضل إثارته لهذا الموضوع الشيق الذي نجح في اجتذاب نقاشنا واهتماماتنا الآنية من حديث الحرب النكد إلى جانب تراثي ثقافي يستحق الاهتمام والنظر، وينعش القلب والفكر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. حسن مصطفى حسن
مستشار الدراسات النباتية بالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
|