سماسرة الشعارات مشغولون بالنتيجة عن السبب، متورطون بقواميس اللغو والكلام يبحثون عن مسمى لما يحدث في العالم العربي، مسمى يتوافق مع الضباب الذي يتغشى أدمغتهم ويقينهم الهش فهم يحاولون أن يصنعوا منه قصوراً في الهواء.
وكما رفضوا أن يسموا حرب «67» هزيمة نكراء مُني بها العرب في ستة أيام، واستبدلوا هذا الاسم بالنكسة على أساس أن الحرب سجال، وأن تلك الحرب ليست سوى كبوة مؤقتة.
وظلوا يحقنون الذات العربية على مدى سنين عديدة بشعاراتهم وأكاذيبهم وضبابيتهم، يروج لهم شارع عربي منكسر ومحبط ومطوق بالبطالة والفقر والقمع الفكري، الذي يجعله يتعلق ببيوتهم القشية، وكان يحميهم بترسانة من الاتهامات الجاهزة التي يسلطونها بعملية قمع مدربة ضد من يخالفهم أو يتقاطع معهم.. ترسانة من التهم الملغمة، مثل «الخيانة والعمالة والانهزامية، وربائب الاستعمار، والاقليمية، والقطرية، والبرجوازية، والمروق، والكفر» وجميع اللغو الذي نقرأه ونشاهده على شاشات الفضائيات وفي الصحف.
والقضية ليست هنا فأعتقد أن قطاعاً كبيراً بات يعرفهم وقطاع أكبر لم يعد يكترث بمزايداتهم التي ختمها المهرج المرح «الصحاف»، ولكن السؤال الآن موجه إلينا.
سقوط بغداد ترك بأعماقنا فراغ فكري كبير وإحساس يشبه الذي استيقظ من منام مرعب طويل، هل سنرجع ونسلم لهم رقابنا وشراييننا ومستقبل أطفالنا؟؟ نصف قرن وهم يجرحوننا في ممرات الهزائم والخذلان والخيبة، هل سنمنحهم بطيبة خاطر نقاء أدمغة أطفالنا؟ هل سننتزع اللقمة من فوق موائدنا ونسلمها لحروبهم الخرقاء «الدون كيشوتية»؟ هل سنستمر في حالة تعبئة متصلة وندس أنوفنا في حروب العالم وننسى بأن المنزل الداخلي بحاجة إلى أصواتنا.. المدارس التي يتكدس فيها الأطفال، والمناهج البالية والمستشفيات التي لابد من واسطات «وحب خشوم» للوصول إليها وإلا.. فانتظار لشهور طويلة!!
وطوابير البطالة، ومعدلات النمو السكاني المتفجرة، ومشكلة المياه، والهجرة من الريف، وقائمة طويلة وجبهات متعددة بحاجة أن نلتف حولها نحدب عليها وننشغل بصناعة غد مختلف وأقل قسوة وخيبة.
نحن بحاجة هذه المرة إلى أن نتصدى لسماسرة الشعارات والمزايدات، ولن نسمح لهم بأن يستغلوا ضعفنا وخيبتنا، لن نسمح لهم بسرقة غدنا، يجب أن يكون هناك توجه عام بلطمهم وتقزيمهم.. والانشغال بالهم الوطني الخاص، الانشغال بشأننا الحضاري الانشغال بإصلاح البيت الداخلي والتوقف عن الإنصات إلى اللغو الذي أصمنا وأعمانا منذ ما يربو على النصف قرن.
|