Sunday 27th april,2003 11168العدد الأحد 25 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

و.. أسفاه.. و.. أسفاه..
لم يكن من «رشيد».. في عاصمة «الرشيد»..؟!
حماد بن حامد السالمي

** مِن أجل مَن يحل بالشعب العراقي هذا البلاء..؟ ومن أجل ماذا تتعرض أرض العراق لهذا الخراب..؟.
** كان يمكن ألا يحدث هذا أبداً، لو أن واحداً من «اثنين»، أو كليهما معاً، ملك نفسه، واستخدم عقله، وأخذ سبيل رشده.
** لو كان الرئيس الأمريكي «جورج بوش الابن»، هذا الواحد الرشيد، لما وقع ما وقع، ولو لم يكن هو، وكان الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، هو هذا الواحد، لما وقع الذي وقع كذلك..!.
** أمَّا وأنَّ.. لا واحداً منهما كان هو هذا «الرشيد» الذي تمنينا، فوقع الذي وقع مثلما رأينا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وكان الله في عون هذا الشعب العربي الشقيق، الذي كُتب عليه أن يشقى مرتين، مرة في ظل رئيس دكتاتور، ظالم مستبد، ومرة في كسرته وغيابه الغامض، إلى ان يقيض الله لهذا الشعب من أبنائه الصالحين، سلطة ديموقراطية منتخبة، تتسلم زمام الأمور في هدوء.
** أين هي الحكمة القيادية المفترضة، في رئيس امريكي مثل «بوش الابن»، وأين كانت هي من الرئيس العراقي السابق، قبل أن تقع الفأس في الرأس..؟!.
** هذه قصة طريفة لاتخلو من دروس وعبر، وفي ثناياها من الصور المستجادة، والحكم المستفادة، ما يتشابه حد التطابق، مع قصة حصار بغداد في أيامنا هذه، إلا الحكمة المفترضة بين رئيس في واشنطن، وآخر كان في بغداد، فهذه فيها ما يقال.
** ذكر هذه القصة، التنوخي في كتابه: «الفرج بعد الشدة»، وهي من حوادث القرن الرابع قبل الميلاد، وفيها: أن الإسكندر الكبير، الملقب بذي القرنين «356 ق.م 423 ق.م»، حارب الفرس وانتصر عليهم في عدة معارك، كانت آخرها، معركة «أربل» في العراق، وتابع زحفه حتى ضفاف نهر الهندوس، فلما انتهى الى الصين، وحاصر ملكها، أتاه حاجبه، وقد مضى من الليل شطره، فقال له: هذا رسول ملك الصين بالباب، يستأذن عليك.
** فقال: ادخله.
** فوقف بين يدي الإسكندر، وسلم وقال: إن رأى الملك ان يخليني، فعل..؟
** فأمر الإسكندر من بحضرته بالانصراف، وبقي حاجبه، فقال: ان الذي جئت له، لا يحتمل ان يسمعه غيرك..!.
** فقال: فتشوه، ففتش، فلم يوجد معه شيء من السلاح.
** فوضع الإسكندر بين يديه سيفاً مسلولاً، وأخرج حاجبه، وكل من كان عنده، وقال له: قف بمكانك، وقل ما شئت.
** فقال له: إني أنا ملك الصين..! لا رسوله، وقد جئت أسألك عما تريده، فإن كان مما يمكن الانقياد إليه، ولو على أشق الوجوه، قبلته، وغَنيْت أنا وأنت عن الحرب.
** قال الإسكندر: وما آمنك مني..؟
** قال: علمي بأنك رجل عاقل، وليس بيننا عداوة، ولا مطالبة بذحل، وأنت تعلم أنك إن قتلتني، لم يكن ذلك سبباً لأن يُسلم إليك أهل الصين، مُلْكَهُم، ولم يمنعهم قتلْي من أن ينصبوا لأنفسهم ملكاً غيري، ثم تنسب أنت إلى غير الجميل، وضد الحزم.
** فأطرق الإسكندر، وعلم أنه رجل عاقل، فقال: الذي أريده منك، ارتفاع مملكتك لثلاث سنين عاجلاً، ونصف ارتفاعها في كل سنة.
** قال: هل غير ذلك شيء..؟
** قال: لا.
** قال: قد أجبتك.
** قال: فكيف يكون حالك حينئذ..؟
** قال: أكون قتيل أول محارب، وأكلة أول مفترس.
** قال: فإن قنعت منك بارتفاع ثلاث سنين، كيف يكون حالك إذن..؟
** قال: أصلح مما كانت، وأفسد مدة.
** قال: فإن قنعت منك بارتفاع سنة..؟
** قال: يكون ذلك كمالاً لأمر ملكي، وموفياً لجميع لذاتي.
** قال: فإن اقتصرت منك على ارتفاع السدس..؟
** قال: يكون السدس موفراً، ويكون الباقي للجيش ولسائر الأسباب.
** قال: قد اقتصرت منك على هذا، فشكره، وانصرف.
** فلما طلعت الشمس، أقبل جيش ملك الصين حتى طبق الأرض، وأحاط بجيش الإسكندر، حتى خافوا الهلاك، وثوابت اصحابه فركبوا، واستعدوا للحرب.
** فبينما هم كذلك، إذ طلع ملك الصين، وعليه التاج، وهو راكب، فلما رأى الإسكندر، ترجل.
** فقال له الإسكندر: غدرت..؟!
** قال: لا.. والله.
** قال: فما هذا الجيش..؟!
** قال: إني أردت أن أريك، أنني لم أطعك من قلة، ولا من ضعف، وأنت ترى هذا الجيش، وما غاب عنك منه أكثر، ولكني رأيت العالم الأكبر مقبلاً عليك، ممكناً لك ممن هو أقوى منك، وأكثر عدداً، ومن حارب العالم الأكبر غُلب، فأردت طاعته بطاعتك، والذلة لأمره بالذلة لك.
** فقال الإسكندر: ليس مثلك من يؤخذ منه شيء..! فما رأيت بيني وبينك أحداً يستحق التفضيل، والوصف بالعقل غيرك، وقد أعفيتك من جميع ما أردته منك، وأنا منصرف عنك.
** فقال ملك الصين: أما إذا فعلت ذلك، فلست تخسر.
** فلما انصرف الإسكندر، اتبعه ملك الصين من الهدايا، بضعف ما كان قرره معه..!
** انتهت هذه القصة..!
*** ولكن مع الصدف العجيبة، أن هذا الإسكندر العاقل، عاد أدراجه عبر فارس، فواتته منيته، في «بابل» بالعراق..!
** وفي بابل هذه اليوم، وكذلك في أربيل والموصل والبصرة، وفي الكوفة وبغداد، وفي غيرها من أرض العراق، تُفْتَح قبور كثيرة، فتبتلع الأرض أنفساً عديدة، ويعم الخراب والدمار بسبب غياب الرشد وتغييب العقل، فليس الرئيس «بوش» هو الإسكندر الأكبر العاقل، ولم يكن الرئيس السابق «صدام حسين»، ولا في أي وقت مضى، هو ملك الصين العاقل الحكيم الرشيد.
** وقديماً قال ابن مريم، عند «الخطيب البغدادي» في كتابه «تاريخ بغداد»: مررت بسويقة عبدالوهاب في بغداد، وقد خربت منازلها، وعلى جدار منها مكتوب:هذي منازل أقوام عهدتُّهُمُ
في رغْدِ عيش رغيب ماله خطرُ
صاحت بهم نائباتُ الدهر فانقلبوا
إلى القبور.. فلا عينٌ ولا أثرُ..!
** كان الرئيس العراقي، مأسوراً بشعور العظمة، مأخوذاً بحب الذات والتسلط على رقاب العباد، وكان محفوفاً بجمهور عريض من «الزَّفّافين» المطبلين، المنتفعين بما يقولون أو يكتبون، وجُل هؤلاء، هم من «الديماغوجيين»، الذين يدَّعون الفهم، ويزيفون الواقع، ويحصرون الحقائق في ذواتهم، ويسهمون بشكل فاضح، في التشويش على الرأي العام.
** لقد نجح «صدام حسين»، في شراء كثير من الذمم المريضة، وكوَّن خلال ربع قرن مضى، حزباً عربياً بعثياً موازياً، من اولئك الرفاق «الصداميين» خارج أرض العراق، المناطة بهم، مهمة دعم حزبه البعثي في العراق، وتلميع صورته كزعيم أوحد..! فرأينا كيف تحولت قنوات فضائية عربية مثل «الجزيرة» في قطر، وصحف مأجورة قميئة مثل صحيفة «القدس العربي»، الى غرف بعثية، لاتسمع أو ترى أو تتكلم، إلا من خلال جهاز الاستخبارات العراقية، وصَمَّت آذاننا سنوات طوال قبل ان تصمت، أبواق صدامية مأجورة معروفة، مثل فيصل القاسم، وسامي حداد، وأحمد منصور، ومصطفى بكري، ومحمد المسفر، وعبدالباري «عصوان»، وأبو المنتصر البلوشي، وعدد كبير آخر من الرفاق من ابناء فلسطين مع الأسف، الذين لا يحسنون خدمة قضيتهم الرئيسية، فهم ظلوا وما زالوا يعملون بغباء، على خسران دول مؤثرة في هذا الصراع، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، وبعض دول الخليج.

fax: 027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved