Sunday 27th april,2003 11168العدد الأحد 25 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإنسان العربي والحضارة الإنسان العربي والحضارة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

عندما تقرأ لابن خلدون في مقدمته قوله: «الأمة المغلوبة تقلد الأمة الغالبة»، يثور السؤال تلقائياً: ولماذا لم نقلد من غلبونا إلا في المظهر ولم نقلدهم في الجوهر؟. هذا ما يتبادر إلى ذهني وأنا أرى كل أمم الأرض تتطور، أما نحن العرب فليس لنا من الحضارة إلى قشورها، ومن اتباع الغالب إلى الشكليات وليس المضامين. نحن أمة لا «ننقل» عن الآخر إلا ما يكرس تخلفنا؛ أخذنا من الغرب لباسه، وأخذنا منه جنوحه للاستهلاك، وتعلمنا لغاته، وانبهرنا من قدرته على خلق وابتكار أدوات ومخترعات التسلية وإشباع المتع فاتبعنا سننه فيها حذو القذة بالقذة، قلدناه في الجزء الفارغ من الكأس، وتركنا اتباعه وتقليده في الجزء المملوء منها، فأصبحنا أجساداً تلفها آخر ما توصل إليه الغرب من مخترعات «الموضة» في اللباس، لكنها أجساد لا تنتمي إلى فلسفة الحضارة التي أنتجت الموضة وصنعت ثيابها، وألسنة تلوك بتمكن لغة «الغالب» وتتقن مفرداتها، لكنها لم تتعلم منه إلا لغة التخاطب لا لغة العلم والمعرفة والثقافة، وأفواها تتلذذ وتستمتع وهي تلتهم «السباغتي بالمايونيز» لكنها لم تفكر قط في كيفية صناعة السباغتي ولا إنتاج المايونيز، ورؤوساً ليس لها علاقة بالحضارة إلا في إتقان قصات الشعر وتلوينه وتنعيمه، أو زراعته عندما يعتريها الصلع.. ظننا أننا أمة متحضرة عندما نظهر بهذا المظهر الخلاب المصطنع، أو هكذا خيل إلينا، غير أن كل ذلك لم يخلصنا من تخلفنا، ولم يحركنا قيد أنملة عن وضعنا الاجتماعي والنفسي والسياسي والاقتصادي المأزوم الذي وجدنا أنفسنا كعرب فيه.
ثم قلنا: إن ما صلح به أولنا سيصلح به حتماً آخرنا. فعدنا إلى الماضي، إلى التراث، نتلمس فيه علاجاً لواقعنا. غير أننا عندما قرأنا هذا الموروث، لم نتعامل معه كما ينبغي، فبدلاً من أن نستوعبه ونفهمه ونعي تلك المنطلقات الفكرية التي جعلت أسلافنا يتسيدون العالم، طاب لنا المقام فيه، وتقوقعنا في مقولاته، وتحصنا بمفاهيمه، وانعزلنا عن حاضرنا بسببه، فعشنا في «الماضي» فكراً، وبقيت أجسامنا فقط في «الحاضر»، أما ذلك الذي يسمى «المستقبل» فهو المفاجأة التي تتربص بنا دوماً كما يتربص الذئب بقطيع من الأغنام. يقول محمد عابد الجابري في كتابه «نحن والتراث»: «انه التحدي الحضاري الغربي بجميع أشكاله وكافة أبعاده. وكما يحدث دائماً، سواء على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي، فلقد اتخذت عملية تأكيد الذات شكل «نكوص» إلى «مواقع خلفية» للاحتماء بها والدفاع انطلاقاً منها». ولأن هذه المواقع قامت وتشكلت نتيجة لظروف زمانها، نسينا نحن «تجديدها» بما يتناسب مع ظروف ومتطلبات وشروط زماننا، فنسيتنا الحضارة وبقينا في قاع التخلف.
كل ما أريد أن أقوله هنا أن «الإنسان» هو محل التنمية الحقيقية، وهو مكمن الحضارة الحقيقية، وهو منطلق التطور الحقيقي والتعامل مع هذه الأسس يجب أن يبدأ من العمق والجذور والبواعث، وليس إطلاقاً مع القشور والشكليات والمظاهر. كما أن الفكر الخلاق ليس وقفاً على أمة بعينها، فكل الأمم المتحضرة، على مر التاريخ، لم تكتف بمنتجاتها الثقافية والفكرية، وإنما استوردت أو استعارت الكثير منها عن الآخرين، ومزجتها بما لديها، وأضافت إليها بقدر ما أعطتها. فالتزاوج بين الأخذ والعطاء هو الأس الأول الذي قامت عليه الحضارات في كل أصقاع العالم.
الأمر الآخر الذي يجب ألا نتجاوزه في هذا المضمار هو أن «التغير» سنة من سنن الله في هذا الكون، وأن الفكرة كحل حضاري هي دائماً وأبداً تأتي تلبية لحاجات ومتطلبات موضوعية لظروف الزمان والمكان، ولأن ظروف الزمان والمكان تتطور وتتبدل وليست إطلاقاً ثابتة، فإن ما يصلح لزمان غيرنا ليس بالضرورة صالح لزماننا المعاصر، وبالتالي فالحلول الفكرية يجب أن تتطور وتتغير لتواكب هذه المتغيرات. هذا إذا أردنا أن نكون جزءاً من هذا العالم، لا ثقافات وكيانات تعيش خارجه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved