الأهداف المعلنة للحملة الأمريكية على العراق كانت تدمير الأسلحة والذخائر الكيماوية والبيولوجية واسقاط نظام البعث القائم الذي يرونه تهديداً لإسرائيل ولمصالحهم الحيوية، وبالتالي قد يطرحون ما يسمى بالتحول الديمقراطي في العراق على النمط الغربي العلماني كمثل يحتذى لدول الجوار وفي تقديري فإن أهم أهداف استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المدى القريب والمتوسط ما بين 15 إلى 20 سنة هو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية تلك المنطقة الغنية بثرواتها تنفرد بأفضل وأخطر مركز بين الأقاليم في العالم التي تمثل بعض دوله في نظر واشنطن بيئة مناسبة لنمو التطرف الديني والإرهاب.
والهدف الثاني هو تغيير نظم الحكم في عدد من الدول العربية المحورية لإقامة حكومات حليفة للغرب وفي الوقت نفسه تتمتع بنوع من القوةوالنفوذ وقدر مناسب من التأييد الشعبي بما يتيح لهم في بضع سنوات مقبلة محاولة تجاوز الأشكال الديمقراطية بدرجة أو بأخرى، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تعتزم الانفراد بحكم عسكري أو مدني مباشر في العراق لفترة معينة بما يحمي المصالح الحيوية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة العربية بأسرها وبما يحقق اتخاذ العراق قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية مرجحة في المستقبل المنظور ضد سوريا أو إيران أو الدول المجاورة بما يخدم أمن إسرائيل والتخطيط الأمريكي لمزيد من السيطرة على الثروات الطبيعية في الخليج وفي بحر قزوين وفي آسيا الوسطى.
اضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أراضي العراق وفي بحارها وأجوائها وحرمان القوى الكبرى المنافسة من بناء وتنمية مصالحها في الشرق الأوسط.
الإدارة الأمريكية ترى أنه يمكن الوصول إلى السعودية مثلاً أو إلى مصر أو سوريا أو لبنان أو إيران عبر العراق بسهولة أكثر وكلفة أقل ويبدو أن هذا من الأهداف الأساسية للحرب فالهجوم على العراق واحتلاله يجعله مركزاً لتخويف إيران وسوريا ويمكن من خلاله التحرك باتجاه دول الخليج باتجاه سوريا ولبنان للسيطرة على كل فلسطين والقيام بعملية تهجير واسعة ضد الفلسطينيين وخصوصاً أن قادة اليهود باتوا مقتنعين أن تغييرات جذرية قد حصلت بعد انتفاضة الأقصى وأدت إلى اسقاط اتفاقية أوسلو ومن ثم فإنهم يعتقدون أن الظروف بعد الحادي عشر من سبتمبر قد تغيرت وأن اتفاقية أوسلو وملحقاتها لم تعد مقبولة.
وبطلب من الإدارة الأمريكية أعد الدكتور ماكس زنجر المختص في تحليل السياسات وهو مؤسس معهد مشهور معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية وأعد وثيقة رسم فيها وجهات محتملة للعالم خلال العقدين المقبلين وأهمها هو:
أولاً: أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بهجمات عدة ضد دول وربما يؤدي ذلك إلى اسقاط حكومات إسلامية وستمتلك مصر وإيران وغيرها أسلحة نووية وأن دولاً أخرى ستمتلك أسلحة بيولوجية تستخدمها في النزاعات فيما بينها وأن إسرائيل ستظل موجودة إلى ما بعد عشرات السنين إلا أنها سوف تواجه خطراً كبيراً على وجودها وقد تتعرض للابادة بواسطة سلاح إسلامي غير تقليدي يتوافر بكثرة في الشرق الأوسط.
ثانياً: كما تحدث التقرير بتفصيل عن هذا السيناريو وقسم الدول الإسلامية إلي حكمين، الدول المؤيدة لما سماه بالإسلام الكفاحي أو الإسلام المقاوم والدول المعارضة له أما الإسلام الكفاحي الجهادي المقاوم فسوف يقاتل حسب تقديره على الدول العربية وهي 900 مليون نسمة وكذلك الجاليات الإسلامية في أوروبا وأفريقيا وأما تركيا ووسط آسيا التي تمثل 400 مليون نسمة من العالم الإسلامي فإنها سوف ترفض هذا اللون من الإسلام.
تتضمن الوثيقة خطة لمكافحة الإسلام يقسمها لعشر مراحل منها حل الصراع العربي الصهيوني، وذلك بحل مشكلة اللاجئين من خلال إعادة توطينهم، وهنا نطرح سؤالاً: أين؟ ألله أعلم، وحظر استخدام الارهاب وهنا نطرح سؤالاً أيضاً: ما هو الارهاب؟
}إنَّهٍمً يّكٌيدٍونّ كّيًدْا (15) وّأّكٌيدٍ كّيًدْا (16) فّمّهٌَلٌ الكّافٌرٌينّ أّمًهٌلًهٍمً رٍوّيًدْا (17)} [الطارق: 15 - 17] .
هناك تقرير استراتيجي أمريكي يخرج بين كل بضع سنوات، وهذا هو التقرير الأخير الذي صدر بعد أحداث أيلول بسنة تقريباً بعنوان استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وخرج في 20 أيلول سبتمبر 2002م وهو يرسم السياسة الأمريكية ومفاصلها الرئيسية.
أولاً: السياسة الأمريكية بشكل عام تستهدف تحقيق الحلم الأمريكي بإقامة دولة لها الريادة في المجتمع العالمي وفي الوقت نفسه يتمتع أفرادها بمستوى عالٍ من الأمن والمعيشة ولذلك يقول ريجان أحد الرؤساء الأمريكيين في تجديد انتخابه: أيها الأمريكيون تعالوا لنقيم الجنة على هذه الأرض.
فهذا الحلم الذي يسعون إليه هو رفاهية في الداخل وأمن قومي مستتب اضافة إلى السيطرة على العالم، وقد تطورت الأسس التي قامت عليها عبر الأوضاع المحلية والمتغيرات الدولية ففي البداية مثلاً كانت استراتيجيتهم تقوم على العزلة التي عبر عنها الرئيس مونرو حينما رسم خريطة الولايات المتحدة الأمريكية ووضع حولها أسلاكاً شائكة ووضع أمامها شعاراً يقول: نحن نرحب بالزائر إذا لم يكن معه بندقية.
معنى ذلك أنهم منعزلون على أنفسهم، ولكنهم يرحبون بالزائر ومن هنا كانت أمريكا مكاناً لاستقبال المهاجرين من أنحاء العالم.
المرحلة الثانية هي المشاركة في صياغة النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وملء الفراغ الذي نجم عن تراجع الدور الأوروبي في العالم الإسلامي وغيره.
ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي الحرب الباردة واستراتيجية الأحلاف العسكرية حتى سقوط الاتحاد السوفيتي.
ونستطيع أن نقول إن المرحلة الرابعة التي نعيشها هي هذه المرحلة التي يتكلم عنها هذا التقرير الذي أعدته لجان عمل وأوصلته إلى البيت الأبيض ووزع في 23 صفحة.
ويؤكد هذا التقرير أن الرؤية الجديدة للإدارة الأمريكية لا تقوم على رد الاعتداء وإنما تأخذ زمام المبادرة بالهجوم على أي طرف يحتمل أن يكون عدواً في المستقبل، حتى ولو من دون دليل أو من دون أسباب تؤكد نية الاعتداء، وهذا ما يسميه التقرير بالضربات الاستباقية إذاً هم يقولون: إنه لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تأتي الضربة أو العدوان وإنما أقرب وسيلة للدفاع هي الهجوم فعلينا أن نقوم بضربات استراتيجية ذات أسبقية لكسب الموقف، ولعل مما يؤكد مصداقية هذا التقرير بدايتهم من العراق.
وهم يقولون في التقرير نفسه إننا نسعى إلى أعمالنا ومشاريعنا ضمن اطار عالمي من التحالف، ولكننا مستعدون أن نمضي قدماً بمفردنا إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، وهكذا فعلوا هنا فهم قد تجاوزوا المنظمات الدولية وتجاوزوا حلفاء الأمس الذين اجتمعوا معهم فيما يسمى الحرب على الارهاب وانطلقوا بمفردهم مع حلفائهم البريطانيين في حرب منعزلة استباقية.
إذاً تقوم أمريكا على أساس نظرة استراتيجية تمارس ضربات استباقية لكل ما يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً، وبناء على ذلك فهم سوف يقومون بحرمان كل دول العالم التي تنضوي ضمن سياستهم وأهدافهم من الحق في التقدم والتصنيع والتسليح، لأنهم سوف يشكلون خطراً عليهم، وهذه يسمونها عادة ب«الدول المارقة» كما يتحدثون عن كوريا الشمالية أو عن سوريا أو عن إيران أو غيرها.
تقدم أمريكا نفسها على أنها شرطي العالم تراقب وتحاسب وتكافئ وتعاقب وتمنع من الحصول على التقنية وتنشر ثقافتها ورؤيتها الخاصة المتعلقة بالحرية أو بالحرب والسلام أو بالحقوق والتعليم أو بالارهاب والتمويل تمويل الجمعيات الخيرية وغيرها وتفرضها على الحكومات والشعوب.
يقول هذا التقرير في هذه الاستراتيجية: سنحول المحنة إلى فرصة سانحة.
يعني أنهم سيحولون الأزمة التي مرت بهم بعد 11 سبتمبر إلى فرصة ليقوموا باستدراك كثير من الخلل والنقص والعيب الذي يعتري سياستهم، ومن لا ينطوي تحت لوائهم فهو مارق أو خارج عن القانون إذ هم الذين يصنعون القانون وهم الذين يكتبونه وهم الذين ينفذونه!
}فّوّيًلِ لَّهٍم مٌَمَّا كّتّبّتً أّيًدٌيهٌمً وّوّيًلِ لَّهٍم مٌَمَّا يّكًسٌبٍونّ (79)}. (البقرة )
ودعوى القوي كدعوى السباع
من الناب والظافر برهانها
|
يتحدث التقرير بشكل متعاظم عن أهمية الشكل الاقتصادي وكأنه يقول: إن العالم عبارة عن شركة اقتصادية وإن الولايات المتحدة الأمريكية هي رئيس هذه الشركة نعم فالاتحاد السوفيتي مع أنه كان دولة تملك قوة عسكرية ضاربة إلا أن الذي هزمه هو الاقتصاد، ولذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تكوّن ضمن تحالفات دولية قوة اقتصادية وشراكات اقتصادية تضمن لها تفوقاً دائماً، ثم يخلص إلى أهمية وجود قوات أمريكية في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقة الخليج لحماية حلفائها وأصدقائها من أي خطر محتمل.
|