Saturday 26th april,2003 11167العدد السبت 24 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
غيرة النسوان ولا غيرة الأطباء
د. وليد الطويرقي(*)

يبدو أنه كلما قل عقلك او زادت رتبتك ازدادت درجة الغيرة.. الصنف الاول غير ملوم، لان قلة عقله هي التي منعته من ضبط مشاعر الغيرة او التحكم فيها او توجيهها بصورة ايجابية فتجده لدى طفلين متناقرين طوال الوقت والسبب غيرة الصغير من الكبير او العكس، او قد تجده لدى امرأتين تتبادلان المكيدة للفوز باعجاب الجمهور او للحضور لدى قلب رجل، ولكننا لا نريد هذا النوع من الغيرة التي قد نفسرها لقلة عقل صاحبها وعدم قدرته على ضبط مشاعره.
ان حديثنا اليوم عن غيرة لدى قوم كبار العقول او يفترض انهم كبار العقول واسعو الحلم! وعلى الرغم من ذلك يصبحون اسرى للغيرة البريئة، لا ادري ماهو الحل لهذا الداء فقد علمتني الحياة ان اصعب الرياضات هي رياضة النفوس وتطهيرها وان الحسد والغل والغيرة والغرور والكبر والطمع وغيرها من امراض القلوب التي من رزق السلامة منها فقد رزق خيراً كثيراً.
دعونا نستعرض نماذج من غيرة الاطباء:
طبيب تخدير فرنسي رئيس قسم بأحد المستشفيات احرقت كبده الغيرة من احد الاستشاريين العاملين معه بالقسم، الجراحون يطلبونه بالاسم ويصرون على ان يكون هو من يقوم بتخدير حالاتهم ووصلت الغيرة حداً اغراه بعمل اجرامي مقيت فقد جاء ليلاً وقام بتبديل انبوب الاكسجين داخل غرفة العمليات بأنبوبة غاز ثاني اكسيد النتروجين وجاء الاستشاري الغافل وبدأ في تخدير المريض وهو لا يعلم بتبديل الانابيب مما تسبب في وفاة المريض وايقاف الطبيب الاستشاري عن عمله الى ان انكشف السر وعوقب المذنب الحقيقي.
طبيبان امريكيان من رواد علاج الجلوكوما احدهما عربي فلسطيني والثاني يهودي صهيوني، وعندما تجمعهما اللقاءات العلمية يبدأ صراخ الديكة بالطبع لا يتشاجران حول القضية الفلسطينية وانما الشجار حول القضية الشخصانية، ومن هو الاولى بالريادة.
وهناك طبيب بارع في تحقير الغير والاقلال من شأن زملائه فاذا دخل احد المرضى العيادة وبدأ الحديث: يا دكتور كنت عند زميلك منذ فترة ما تعرفه؟
يجيب الدكتور بدهاء: نعم اعرفه حق المعرفة انه احد تلاميذي، انه جواب ظاهره المدح وباطنه الذم تماماً كما فعل الحطيئة:


دع المكارم ولا ترحل لبغيتها
واقعد فانك الطاعم الكاسي

واحياناً تكون الغيرة بسبب الالقاب، لماذا فلان استشاري اول وانا استشاري جاف؟ ولماذا فلان استاذ اكلينيكي، اما انا فأستاذ اكلينيكي مساعد؟
وقد يذهب بعضهم من اجل ا لحصول على اللقب ابعد مما تتصور، هناك اطباء يرفضون تدريب من تحت ايديهم بسبب لقب لا يسمن ولا يغني من جوع، وهناك اطباء يرفضون اعطاء زملائهم اللقب الاكاديمي او الاكلينيكي الذي يستحقونه شحاً وحسداً وغيرة من ان يتساوى غيرهم بهم، واحياناً تكون الغيرة بسبب المؤتمرات الطبية، هو يرأس جلسة اذاً انا أرأس جلسة.
وليت التنافس يكون في الاوراق العلمية والبحوث وانما الغيرة هي رئاسة الجلسات واللجان المنظمة.
وقد تصل الغيرة بين طبيبين الى اضطهاد الاتباع فهذا يضطهد المقيمين العاملين لدى الزميل الضرة!! فلا يصفح عن اخطائهم الصغيرة ولا يوافق على ترقياتهم او ترشيحهم لمؤتمر دولي، ويرد الزميل الآخر على النار بالمثل، والضحية هؤلاء الاطباء المقيمون الذين لا ناقة لهم ولا جمل سوى انهم محسوبون على احد الطرفين، انه مشهد مضحك مبك يذكرني بمشهد في مسلسل مصري يتنافر فيه المعلم دسوقي مع المعلم شنواني بعنف وهو يردد والله دا تحدي وانت يا شنواني مش قدي.
اما غيرة الجراحين فلها طعم خاص فالجراح الطاووس اذا وقعت بين يديه حالة جراحية اجراها احد مناوئيه تعاني مضاعفات يخالجه شعور داخلي لو انه اجراها بنفسه لما وقعت هذه المضاعفات، واحياناً يتحول هذا الشعور الى ايحاء ابلغ بكثير من الافصاح فتجد الجراح لا حول ولا قوة الا بالله، وهو ما يعطي المريض انطباعاً ابلغ من الكلمات.
واحياناً اخرى يتحول الجراح الى صنايعي في ورشة ايه «العك» اللي عملوه لك؟؟ مين..!! اللي عمل لك العملية؟ الى غيرها من الالفاظ السوقية التي تحقر الذات والغير والمهنة معاً.
(*)المشرف العام على مركز النخبة الطبي الجراحي

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved