قد يبدو هذا القول عبثا، غير أنني أعتقد بأن الأزمة في العراق ربما تقود إلى تطور في علاقات روسيا بالولايات المتحدة، إن فترة السعادة التي تلت أحداث11 سبتمبر 2001 كان يتحتم عليها أن تفسح الطريق لنهج أكثر واقعية، شهدت علاقاتنا الثنائية تصحيحا مشابها في أواسط التسعينيات، غير أن البندول تأرجح حينها متخذا الوجهة السالبة.
يتعين علينا الآن الاستفادة من أخطائنا.
أجدني راغبا في الاعتقاد بأن إدارة بوش سوف تستخلص النتائج السليمة من بيان بوتين في 20 مارس، فوجئ الكثيرون في واشنطن وأصابهم الإنزعاج من لهجته الحازمة، ومن رغبة موسكو في الانضمام لفرنسا في منع صدور القرار الانجليزي- الأمريكي حول العراق، كانت إدارة بوش تعيش اعتقادا خاطئا، عززه عدد من السياسيين الروس، بأن موسكو سوف تنأى بنفسها في النهاية لتتجنب تعقيد علاقتها الإستراتيجية الهامة مع الولايات المتحدة، نتيجة لذلك، لم يبذل البيت الأبيض أية محاولة دبلوماسية لكسب جانب روسيا، لم ير أي من مستشارة الأمن القومي كونداليزارايس أو وزير الخارجية كولن باول ضرورة للتوجه إلى موسكو لمحادثات مباشرة عندما كانت الأمم المتحدة تنظر في الوضع في العراق، حينما ألمحت روسيا إلى فكرة قمة خاصة لبوتين-بوش حول العراق، لم تكن لدى واشنطن أية رغبة.
كانت رسالة بوتين لبوش بسيطة: لن نؤيد بصمت عملا عسكريا للولايات المتحدة نعتبره خاطئا، ونحن مستعدون، متى دعت الضرورة، لمعارضة خطوات تتخذها واشنطن نعتقد أنها ستجعل العالم مكانا أكثر خطورة، نعم، نحن حلفاء في الحرب ضد الإرهاب الدولي، ونحن ملتزمون بالتعاون الوثيق في هذا المجال.
يحدوني الأمل في أن تنظر إدارة بوش ل «الواقعية الجديدة» في العلاقات الروسية-الأمريكية كأمر طبيعي، تصحيح معافى، وليس تعبيرا عن المعاداة المتخلفة «للأمركة» الموجودة للأسف في المجتمع الروسي، لم تسع روسيا لتشكيل أو قيادة تحالف عريض ضد الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إنها لم تدمغ العمل العسكري الأمريكي بكونه عملا عدوانيا، وروسيا لم تدعم محاولات للدفع باتجاه قرار معادٍ للولايات المتحدة من خلال مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن خلاف روسيا الحالي مع واشنطن حول دور الأمم المتحدة في بناء العراق ما بعد الحرب هو نتيجة لرغبة واشنطن (أو بالأحرى البنتاغون) غير الواقعية في إدارة كافة وجوه هذه العملية، وليس نتيجة لموقف روسي معارض جرى تدبيره، سيكون خطأ كبيرا بالنسبة لإدارة بوش أن تستجيب للخط الروسي المتشدد حول العراق بالاتجاه لإحداث برودة في العلاقات، ليس هذا ما تتمناه روسيا، بأي حال.
يتعين على روسيا أيضا استخلاص النتائج الضرورية من الأزمة في العراق، الأكثر أهمية، يتعين علينا الاعتراف بأن محاولاتنا داخل إطار الأمم المتحدة لكبح استخدام الولايات المتحدة للقوة قد ولدت بعض النتائج، لقد جرى انتقاد توجه الولايات المتحدة للعمل خارج حدود الشرعية الدولية، غير أنها مضت قدما رغم ذلك.
من شأن هذا أن يقوض الدور الحاسم لمجلس الأمن الدولي في مسائل الحرب والسلام، وبشكل خاص حين يتحتم القيام بإجراء وقائي لإزالة خطر الإرهاب الذي ترعاه أنظمة ديكتاتورية، وحين يكون التدخل الإنساني مطلوبا في دول لا تضطلع بمسؤولياتها.
من الواضح جدا أن الأمم المتحدة لا تملك القدرة بعد كي تتعامل بشكل فاعل مع تهديدات القرن الحادي والعشرين الجديدة.
للأسف، لا يوفر القانون الدولي سوابق مفيدة أو آليات فعالة للعمل الجماعي.
لهذا السبب من المهم أن نتوصل لفهم مشترك حول متى يكون استخدام القوة مسموحا به، لقد جرى تطوير مجموعة من المعايير لمثل هذه الحالات، إن الوصول لمثل هذا الفهم كجزء من القانون الدولي سيكون أمرا صعبا، غير أن الإجماع مهم ضمن سياق العلاقات الروسية-الأمريكية.، وربما ضمن مجموعة الثمانية الكبار أيضا، إن الاتفاقيات غير الرسمية من هذا النوع لن تفلح أيضا ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لكبح نفسها في مواجهة الرفض من قبل المجتمع الدولي.
إن هذا المفهوم في حد ذاته يمثل هاجسا بالنسبة لإدارة بوش.
إن دور روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة - على الأقل بقدر ما كان بوش في موقع السلطة- هو تعليمي إلى حد ما، يتعين علينا إقناع الأمريكيين بأن العودة إلى صدر سياسة العالم المتحضر تخدم مصالحهم، لهذا، يتعين علينا الاعتماد على ما هو أكثر من المعارضة المبدئية، يتعين علينا أيضا اللجوء لسياسات ذرائعية (براغماتية) تقوم على المسؤولية المشتركة، إن إلقاء مزيد من الضوء على مواقفنا غير الواضحة واعتماد واقعية جديدة في علاقاتنا الثنائية سوف يعيننا في تحقيق هذا الهدف.
* نائب بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس الدوما الروسي موسكو تايمز
|