في مثل هذا اليوم، ومع إعلان انطلاقة أول رصاصة في العراق، ندخل في فصل جديد من الحسابات الدولية المختلفة.
كما ستُدخلُ أمريكا العالم في فصل جديد من فصول معركتها على الارهاب، في مسلسل «فورة الدم الأمريكية» التي انفجرت في الحادي عشر من سبتمبر.
ولا يختلف الأمريكان، عداك عن العالم، على ان النفط يأتي في قائمة أول المتأثرين.
الأمر الذي ينبئ بدخول الدول النفطية في مرحلة حسابات جديدة، خاصة تلك الدول التي يدخل النفط بشكل رئيسي في موازناتها العامة.
فقبل أسابيع من الحرب الأولى على العراق، قفزت أسعار النفط إلى حوالي 40 د/ب نتيجة لشعور السوق بوجود اضطرابات متوقعة في منطقة الشرق الأوسط التي تمد العالم بـ40% من احتياجاته النفطية.
واستمر هذا التصاعد والنزول حتى وقف عند 30 د/ب قبل ليلة واحدة من اطلاق الحرب، ثم وبعد الإعلان عن انطلاقة الحرب، هبطت أسعار النفط من 30 د/ب إلى 20 د/ب في يوم واحد! مسجلاً بذلك أكبر هبوط يحدث في يوم واحد في التاريخ.
وعلى اننا لا نتوقع حدوث الشيء نفسه ، إلا ان أسعار النفط مرشحة لتسجيل هبوط كبير مع بداية التعاملات لهذا اليوم، على الرغم من اختلاف الظروف، سواء الأمريكية أو ظروف السوق النفطية عما كانت عليه في الحرب الأولى.فالولايات المتحدة تدخل هذه الحرب اليوم وهي تعاني من نقص في مخزونها الاستراتيجي بمقدار 17% عما كان عليه إبان 1991.
ومن جهته، فالسوق يعاني تراجعاً في الامدادات نتيجة الاضراب في فنزويلا وموجة البرد القارس في الولايات الشمالية الشرقية، وأيضاً لوجود عضو ثالث «غير العراق وفنزويلا» مرشح لتغيرات من شأنها ان تزيد مصاعب السوق في هذه الفترة، وأعني نيجيريا.
ونتيجة لهذه الظروف، ومع مساهمة بعض أعضاء أوبك في تعويض حاجة السوق، فقد أدى ذلك إلى استنزاف فائض الطاقة في الدول القادرة على تعويض أي نقص في امدادات السوق وحالياً.. ليس هناك أعضاء قادرون على توفير فائض الطاقة لمواجهة أوضاع السوق، سوى المملكة والإمارات.
ولعل المتأمل للتقلبات السعرية مؤخراً، يدرك جيداً ان هذه الأسعار، الحالية منها والمتوقعة حتى نهاية الربع الأول من هذا العام، ما هي إلا «فورة دم» لا يمكن الاعتماد عليها في المستقبل الذي لن يكون قريباً!
فهناك العديد من الإشارات التي أطلقتها الحكومة الأمريكية على شكل تحذيرات، أوائل فبراير الماضي تفيد بأن «متوسط» سعر البرميل الخام الأمريكي قد يظل فوق 30 د/ب طيلة العام القادم.
كما أشارت توقعات استثمارية مستقلة ان يقف سعر البرميل عند 28 دولارا بنهاية العام الحالي، مما يشير إلى ان الاقتصاديات النفطية ستدخل مرحلة جديدة تتطلب قراءة غير تقليدية للسوق من جهة، ولخططها الاقتصادية من جهة أخرى، وذلك عن طريق تخفيف اعتماد الموازنات العامة على النفط، الذي تشير الأوضاع إلى انه هو محور الحروب الجديدة.وكذلك، ضرورة النظر بجدية للحاجة إلى تسريع عملية التخصيص في بعض القطاعات المخصصة جزئياً، التي تتمتع بربحية جيدة، أو تخصيص كامل لتلك الشركات التي مازالت «تتنفس تحت الماء» في سعينا المستمر لتخفيف الأضرار التي قد تترتب جراء هذه الحرب التي صرنا نعلم الآن متى بدأت.. لكننا نجهل بالتأكيد، متى ستنتهي!
علماً بأن فورة الدم الأمريكي، وحربها الاقتصادية والإعلامية، قد بدأت منذ زمن، وفي دول غير العراق.
|