نحن بحاجة ماسة الى انتشار كلمة الحق، والموعظة الحسنة، والعلم النافع، والرأي الرزين، والفكر المستقيم، والثقافة النقية، والحوار المثمر عبروسائل الإعلام كلها، ونخص منها القنوات الفضائية التي لا يخفى علينا جميعاً ما لها من انتشار في أنحاء العالم.
ولكننا مع هذه الحاجة الماسة الى ما ذكرناه، نحتاج الى أن يكون العلماء المسلمون الذين يتعاملون مع هذه الوسائل على المستوى المتميز من حُسن الطرح، وقوة الأداء، وسلامة اللغة، وجودة الاعداد لعناصر الموضوع والفكرة التي يطرحونها سواء أكان ذلك الطرح حديثاً مباشراً، أم كان حواراً جماعياً أو انفرادياً، لأن الظهور أمام الجماهير الغفيرة من خلال شاشات القنوات ليس أمراً هيّناً لمن أراد أن يقنع الناس، ويؤثر فيهم، ويقدم لهم مادة علمية وثقافية تجمع بين السهولة والقوة، والعمق والوضوح، خاصة أن مئات القنوات تتزاحم في الفضاء الفسيح مستخدمة أحدث الوسائل وأكثرها جذباً للمتابعين.
إن العلماء والدعاة والمفكرين والأدباء الذين يتعاملون مع الفضائيات إنما يتعاملون مع وسيلة مختلفة تماما عن قاعة المحاضرة، أو منبر المسجد، أو المخيم الثقافي والدعوي والأدبي الذي يقام هنا وهناك.
إنهم يتعاملون مع عدسة لاقطة شديدة الحساسية، دقيقة العرض، مخلصة جداً في نقل أدق التفاصيل من كلمات المتحدث وحركاته وهندامه وانفعالاته الى المشاهدين، ولا يكفي المتحدث من خلالها أن يكون حسن المظهر وسيم الملامح محاطاً بما يلفت النظر من «الديكور» الذي تتنافس فيه القنوات، بل لابد أن يكون قد أعد نفسه إعداداً ممتازاً محدد العناصر، واضح الأفكار، صادق العبارة، جميل الأسلوب، وإلا فإن حركة واحدة لأحد أزرار جهاز التشغيل ستخفي عن المشاهد صورة المتحدث الذي لا يجد في حديثه ما يتوق اليه من فكرة نافعة، أو معلومة جديدة، أو توجيه علمي أو ديني أو ثقافي مفيد.
إن المشاهدين بحاجة ماسة الى ما يمتعهم وينفعهم، وهنا تأتي صعوب الظهور الاسلامي على من لا يستطيع أن يجمع بين الامتاع والمنفعة، لقد سمعت من بعض المثقفين والمشايخ والمفكرين، وأساتذة الجامعات من يقول: نحن على استعداد دائم لمن أراد ان يستضيفنا، ولربما التقى أحدهم بمعدٍّ لبرنامج في سوق، أو حفلة واتفق معه على استضافته في برنامجه في اليوم نفسه، وكأن الاتفاق هنا لا يخرج عن كونه اتفاقاً على شُرب الشاي في مجلس خاص، بل إن بعضهم يتلَّقى مكالمة هاتفية تدعوه الى المشاركة في برنامج بعد ساعة أو ساعتين من وقت المكالمة فيرحب بذلك، ولا يستعد إلا بتغيير ملابسه - إن كانت تحتاج الى تغيير-.
ومن هنا يظهر على الشاشات بعض المتحدثين الذين لا يقدمون شيئاً يذكر للناس، مع أنهم يحسبون أنهم قد أنجزوا عملاً كبيراً بالظهور على الشاشة.
يجب أن يحترم العالم، والشيخ، والأستاذ الجامعي والأديب وكل ذي تخصص علمي المشاهدين الذين ينتظرون من الشاشة ما يفيدهم ويضيف الى علمهم وفهمهم شيئاً جديداً، خاصة أولئك الذين لا يتعاملون مع القراءة والاطلاع بسبب انشغالهم، أو بسبب عدم تعوُّدهم - أصلاً - على القراءة والاطلاع.
إنَّ كثيراً من المشاهدين يحترمون البرامج الجادة المفيدة، ولربما قدموها على كثير من برامج اللهو، وبرامج الخِفَة والرَّشاقة والتهميش والتهويش.
وهؤلاء المشاهدون جديرون بعناية كل عالم أو مثقف، ويستحقون أن يتعب من أجلهم كلُّ من يظهر على شاشةٍ يتابعونها وينتظرونها.
إشارة
قد يبذل الإنسان ما يرجو به خيراً، فيجني حَسْرةً وهَوانا
|
|