على مدى سنوات جال في ثقافتنا الاجتماعية مجموعة من المصطلحات والتعابير أخذها الناس كمسلمات، كما منحت أصحابها كثيراً من الإجلال دون أن نحس أنها في الوقت الذي تجل أصحابها كانت تقلل من قدر الناس الآخرين.
أثناء الحرب الأمريكية السوفيتية التي دارت رحاها على الأراضي الأفغانية وشارك فيها مجموعة من شبابنا في صفوف الأمريكان أو نيابة عن الأمريكان تحت صفة مجاهدين روج لمجموعة من المصطلحات البراقة. وكلنا نعرف أن أمريكا ألقت بثقلها عبر المخابرات الباكستانية خلف من كان يسمى بالمجاهدين حتى جعلت السوفيت يخرجون مهزومين رداً على الهزيمة التي ألحقها بهم السوفييت في فيتنام، ولكن الآلة الإعلامية الأمريكية صورت هزيمة السوفييت كنصر للمجاهدين الأفغان، ومن انضم إليهم من المسلمين. وقد انعكس هذا النصر الكبير على المجتمعات الإسلامية في كل أنحاء العالم فأصبح هذا النصر سبباً لبروز حركات اسلامية تريد أن تعمم هذه التجربة في كل مناطق العالم بعد أن صورت لهم الآلة الأمريكية أن النصر في أفغانستان جاء نتيجة اخلاص المجاهدين وكفاحهم بل ونتيجة مباشرة للكرامات التي خص بها الله هؤلاء المجاهدين. سمعنا أن المجاهد ينام تحت الدبابة ثم يخرج سالما،ً وأن جثة المجاهد تبقى أياماً طوالاً دون أن تتحلل كما شوهدت بعض جثث المجاهدين تفوح منها رائحة المسك والعنبر إلى آخر ما هنالك من خرافات. وهذا النصر أفرز منظمات ومصالح وتوجهات ومصطلحات بدأنا نعاني منها الآن، ومن أهم المصطلحات التي وفدت إلينا مصطلحين تكرسا في مجتمعنا أكثر مما يجب: مصطلح الصحوة أو شباب الصحوة ومصطلح ملتزم أو الشباب الملتزم. وقد أسهم هذان المصطلحان وما يتضمنانه من دلالات في شطر المجتمع والناس إلى طبقتين حيث ظنت فئة من الناس أنها فوق الآخرين.
لا يعرف أحد حتى الآن ما الذي تعنيه كلمة صحوة. وعندما صحا بعض الناس لم يدلنا أحد من ماذا صحا هؤلاء خصوصاً في بلد كالمملكة لم تعرف في تاريخها ولله الحمد غير الإسلام، هل كانت الناس في غفلة؟ هل كانت الناس مهملة لشؤون دينها ليأتي ناس ويطلقون على أنفسهم أهل الصحوة أو شباب الصحوة؟ والمشكلة الأخطر أن هذا المصطلح أردف بمصطلح آخر وهو الملتزم. ما الذي تعنيه تلك الكلمة عند اطلاقها على فئة قليلة من الناس. مصطلح كهذا لم يدرك الناس خطورته على أنفسهم وعلى الناس الذين لا يتصفون بالصفات التي ألزم أصحاب المصطلح أنفسهم بها.
عندما تقول إن هذا الرجل ملتزم فهذا يعني تلقائياً أن الآخر غير ملتزم أي منفلت، فالذين يصفون أنفسهم بالملتزمين هم في الواقع يدينون الآخرين بالانفلات، يدينون المجتمع كله، خطورة هذه التهمة أنها ليست تهمة في العمل أو في الانتاج أو حتى في الوطنية ولكنها تهمة تمس عقيدة الناس والعياذ بالله.
وضع هؤلاء مواصفات محددة من خرج عنها لم يعد ملتزماً أي أنه يصبح منفلتاً وهي كما نعرف مواصفات شكلية تتصل بالملبس والقيافة وبعض العبارات. وهذه أمور شخصية تقع تحت الحرية الفردية، فلك أن تلبس ما تشاء وأن تصمم شكلك بالطريقة التي تراها ولكن هذه المواصفات الشكلية يجب ألا تكون مواصفات ترفع ناساً على حساب المجتمع كله، والأخطر أن تقود إلى تجمعات ربما تمس سلامة المجتمع. علينا أن نعمل جميعاً على نبذ هذه المصطلحات التي تفرق بين الناس في مجتمعنا مجتمع العقيدة الصافية النقية. وقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز على نبذ هذه المصطلحات المستحدثة والدخيلة على مجتمعنا. فالمجتمع السعودي لا يوجد فيه ولله الحمد هذا ملتزم وهذا منفلت وهذا صاحٍ وهذا غافل كلنا في المملكة مسلمون فقط.
فاكس: 4702164
|