* رام الله - نائل نخلة:
«لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، أملي في الله كبير أنه وضع محمود ابني الكبير رح يتغير، ومعاناته رح تنتهي... وبطلب من كل واحد بيقدر يساعدني في الافراج عن ابني، انه ما يتأخر!!» بهذه الكلمات جاء صوت حمدي شبانة، أبو محمود، عبر الهاتف مليئاً بالألم والحسرة عندما سألناه عن أخبار محمود، فما بين الشعور بالعجز تجاه قضية ولده، وبين شوقه لزوجته التي فارقت الحياة حزنا على ما يحدث لولدها.. تحدث قائلا إنه وعند إنهاء محمود مدة الست سنوات التي كان قد قضاها في سجن عسقلان، أبلغته ادارة السجن أن هناك تمديد اعتقال اداري بحقه وتم نقله إلى سجن مجدو.. فلم تستطع والدته وهي امراة كبيرة السن، ان تتحمل مثل هذا الخبر، فقد انتظرت طويلا اليوم المعهود الذي سترى فيه ولدها دون أسلاك شائكة وسيكون بإمكانها أن تحتضنه وتطبع على خديه القبل بقدر ما تشاء، جاءها الخبر المشؤوم فقضى على أحلامها بلقاء محمود، وكان بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير» ففارقت الحياة وهي ما زالت تحلم بقبلة من شفتي ولدها...
بالرغم من رغبتنا في ملاقاة أبو محمود، إلا أن الأمر ليس بالشيء السهل.. فعائلة أبو محمود تقطن مدينة الخليل، والانتقال بين المدن الفلسطينية في كثير من الأوقات يُعد أمرا صعبا، إن لم يكن شبه مستحيل في بعض الحالات.. اكتفينا بالحديث عبر الهاتف مع أبو محمود البالغ من العمر 58 عاما.. الذي بدأ بسرد قصة معاناة ولده : اعتقل محمود أول مرة عندما كان عمره 21عاما، بتاريخ 12 حزيران 1994، وبعد تعذيب وعزل في الزنازين استمر أكثر من 4 شهور، حُكم عليه بالسجن ست سنوات، قضاها في سجن عسقلان.. وبعد انتهاء الحكم واستعداده للخروج أبلغته إدارة السجن بالتمديد الإداري ونقل إلى سجن مجدو توفيت والدته بعد سماع هذا الخبر بأربعة أيام... لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من السوء، بل أصبح أمر تمديد الاعتقال الإداري عادة تنتهجها سلطات الاحتلال، فتم تمديد الاعتقال الإداري ستة أشهر ثلاث مرات على التوالي. وفي فترة التمديد الثالث قررت المحكمة الإفراج عن محمود، وتم الاتفاق بين النيابة العامة والمحكمة على الحكم ستة شهور رابعة وأخيرة. فأفرج عنه في 12 أيار 2001 أي بعد قضاء سبع سنوات ونصف، مكث محمود خارج السجن قرابة السبعة شهور، ثم أعيد اعتقاله بطريقة همجية تخلو من أي عنصر إنساني، ففي تاريخ 14 كانون الاول 2001 اقتحمت قوات الاحتلال منزل العائلة المكون من غرفتين يقطنهما تسعة أفراد، وقامت بتفجير الباب، ودخلت إلى المنزل بقوة عسكرية هائلة ترافقها الكلاب، التي هاجمت أفراد المنزل، بشكل عدواني صريح.. اقتادوا محمود بعدها أسيرا لسجن المسكوبية، حيث خضع للتحقيق مدة 60 يوما، حُكم عليه بعدها بالسجن الإداري 6 أشهر، تقرر بعدها الإفراج عنه بكفالة مالية إلا أن المفأجاة كانت أن المدعي العام وخلال جلسة المحكمة طلب خمس دقائق وخرج من المحكمة، ثم عاد ليقول إنه تم تحويلي للاعتقال الإداري، وقال القاضي إن الأمر أصبح ليس من صلاحياته!!
استمر الاعتقال الإداري هذه المرة حتى 19 شباط 2003، ثم تم تحويله لمحاكمة في نفس الشهر، فحكمت المحكمة بالسجن 16 شهرا وغرامة 10 آلاف شيكل تنتهي في 3 نيسان 2003.وفي موعد الافراج المنتظر وبعد دفع مبلغ الغرامة خرج والد محمود وإخوته الثلاثة للقائه، وانتظروا ساعات طويلة إلا أن الصدمة كانت عندما جاء قرار تمديد الاعتقال ستة شهور أخرى تبدأ من يوم 30 آذار 2003 وعلى أمل أن تنتهي في 30 أيلول 2003.
وعند سؤال محامي الاستئناف في جلسة بتاريخ 14 نيسان 2003 على أي أساس يتم تمديد الاعتقال الإداري ؟؟ تأتي الإجابة أن محمود كان نشيطا في السجن أثناء فترة السجن الأولى. وقد رد محمود على هذا الادعاء قائلا «يحاكمونني على تاريخي الذي سجنت عليه! هذا نتيجة الهوس لدى ضباط المخابرات، إن الذي يحكم في إسرائيل هو المؤسسة الأمنية وليس العسكرية، وهم يخالفون قرارات المحاكم، فالشاباك هو الذي يحكم ويصدر القرارات، وهذا مخالف للقانون». ومحمود يعيش فترة صعبة وظروفا قاسية ولا يجد من يهتم بالبعد الإنساني لقضيته، فما حدث ويحدث شكل صدمة له ولعائلته ولخطيبته ولوالده المريض، ونجد هذه العائلة تُصلي لله أن يتم الإفراج عن محمود كما هو متوقع، وألاّ يتم تمديد فترة اعتقاله مرة أخرى، هذه العائلة التي تعيش ظروفا نفسية ومادية صعبة تستغيث، فهل ستجد من يلبي نداء الاستغاثة، أم أن ضمائر العالم لم ترجع من إجازتها السنوية بعد؟؟
|