وصلتني رسالة لطيفة من القارئة عبير الصالح وفيها تطالب بالتأكيد على أهمية وضرورة التقاعد المبكر للمعلمات بعد خمسة عشر عاماً من الخدمة، وعرفت سلبيات بقاء (المعلمة) فترة طويلة من عمرها في التدريس وترك أبنائها مع الخادمات وما ينشأ عنه من جيل تائه، كما وصفته عبير!!
وسرني -حقيقة - تجاوب القراء مع ما أكتبه من قضايا اجتماعية/تربوية، ولكنني أتساءل: لماذا قصرت «عبير» التقاعد على المعلمة فحسب وهي من تقضي وقتاً أقصر في العمل، وتتمتع بإجازات أطول من بقية الموظفات.
ولعل وصف «عبير» للسنوات التي تمضيها المعلمة في الوظيفة (بالطويلة) من باب الدعوة لفتح المجال لغيرها من الجيل الجديد لاسيما أنها خصت المعلمات بالذات دون بقية الموظفات وحبذا النظر للموضوع بصورة أشمل، وأكثر موضوعية، حيث كنتُ في وقت مضى من المتحمسين لتقليص سنوات الخدمة للموظفات، إلا أنني بعد إدراك بعض الأمور التي كانت غائبة عني جعلني أتردد في طرح الفكرة وذلك بسبب التحول الخطير الذي تشهده بعض فئات المجتمع في الوقت الحالي من تخلي رب الأسرة أو ولي المرأة وخصوصاً (العاملة) عن إعالتها بالصورة الشرعية المطلوبة!! وربما اطلع بعضنا على ما تنشره الصحف من قضايا مؤلمة لنساء يتحملن أعباء أسرهن اقتصادياً بسبب غياب رب الأسرة أو تخليه عن الدور الذي فضله الله عز وجل بدرجة على المرأة. وحين أقلب النظر أجد ان المرأة تنفق بصمت على أسرتها طلباً للستر تارة، واستمراراً للحياة تارة أخرى! هذا عدا حاجة بعضهن للإنفاق على والديها وإخوتها سواء قبل الزواج أو بعده نظرا لارتفاع التكاليف والمتطلبات وقصور بعض المصالح الحكومية عن الدور المنوط بها والمطلوب منها لاسيما النواحي الصحية وتكاليف العلاج!!
وإنني أدعو بصدق إلى عودة المرأة القادرة مادياً لمنزلها ورعاية أسرتها وأطفالها ولا تجعل (خدمة الوطن) شعارها المبطن لرغبتها بالعمل، ونحن ندرك أن تربية المرأة لأولادها -بنفسها - هي الخدمة الحقيقية للوطن وليس كما يدعي البعض بأنها خدمة غير مباشرة لأن الوطن بحاجة إلى تربية مواطن صالح يؤمن بالله رباً ثم بالوطن انتماء أكثر من حاجته لعدة موظفات يتقاسمن وظيفة يمكن ان تقوم بها موظفة واحدة فحسب!! وما تمدد الطفل في حضن الخادمة ومناغاتها له في أول أبجديات الأمومة، وتلقي ثقافتها، إلا كارثة لن نشعر بوقعها إلا حين نستيقظ على ذوي انفجار أخلاقي/تربوي بدأت بوادره تظهر للعيان!!
وحين أتحدث عن التربية فلست أعني بها الملبس والمأكل والمركب، وإنما استشعار المسؤولية الشرعية والأدبية وإبعاد الأبناء عن مهاوي الخطر. ومن اختارت أن تكون أماً فلتعلم ان الحمل والولادة ماهي إلا مرحلة عابرة في حياة الأم وتبقى التربية والتوجيه والإرشاد هي المواجهة الحقيقية مع الله سبحانه وتعالى، ثم مع النفس {يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}.
ولعلي لا أفشي سراً أو أذيع خبراً حين أقول إنه مما يؤسف له أن أبناء الأمهات غير العاملات اللاتي آثرن الراحة والاسترخاء واستقدمن الخادمات ليتفرغن للتسوق والزيارات والسهرات ليسوا بأفضل حال من أبناء الأمهات العاملات!! واحسب أن ذلك يا «عبير» يخفف من حماسك نحو التقاعد المبكر للمرأة...
وأود أن أهنئ كل امرأة عاملة ترعى أبناءها وتربيهم وتوجههم وتهذب أخلاقهم حتى قروا عينيها بفلاحهم بطاعة ربهم ونجاحهم في الحياة فهي تستحق وساماً من أرفع الدرجات ولها في الدنيا التحية من الوطن مجاهدة في الصباح، مربية في المساء.. وفي الآخرة تكون الجنة تحت قدميها.. وأنعم به من مكان، وأكرم به من منزلة!!!
ص.ب 260564 - الرياض11342
|