* للسؤال عن مدى احتياجنا لوزارة إعلام في التشكيل الوزاري القادم؟ يمكن ان تكون الإجابة بكلمة (نعم)، أي لا ونعم في الوقت نفسه، كما يشاء بعض الدبلوماسيين في إجاباتهم عندما لايرغبون في القطع بإجابة حاسمة حول موضوع أو مسألة معينة.. وفي رأيي الشخصي اننا في المملكة العربية السعودية نحتاج إلى وزارة اعلام، ولكن ليس إلى الأبد، بل إلى مرحلة معينة من تطور مؤسساتنا الإعلامية.. وبالتأكيد فنحن نحتاج إلى وزارة إعلام خلال السنوات القادمة، قد تكون أربع سنوات أو ثماني أو اثنتي عشرة، حسب المجهود الذي يبذله الوزير الذي سيتسلم حقيبة الإعلام.. ولكن بكل تأكيد فلن نحتاج إلى وزارة إعلام في المستقبل البعيد.
وقد دارت حوارات كثيرة منذ فترة حول موضوع الحاجة إلى وجود وزارة إعلام، ورأي بعض اختصاصيين في مجال الإعلام، اننا لا نحتاج إلى وزارة حتى مع التشكيل الجديد لمجلس الوزراء الاسبوع القادم، ولكن في نظري اننا نحتاج إلى هذه الوزارة ما دامت تسهل تطور مؤسساتنا الإعلامية، ولكن تتلاشى أهمية مثل هذه الوزارة عندما تكون هذه الوزارة أداة تعوق تطور وسائل الإعلام السعودية.. هذه في نظري المعادلة التي ينبغي ان نستوعبها عند الحديث عن أحقية وجود أو عدم وجود وزارة إعلام سعودية.
* ولنبدأ من البداية:
فقد كانت البداية الأولى لبذرة وزارة الإعلام هو تأسيس قلم المطبوعات كجهاز بسيط وبدائي لمتابعة المطبوعات في المملكة.. ثم تم تأسيس إدارة أخرى سميت بإدارة الحج والإذاعة عام 1372هـ الموافق 1952م، لكون الحج هو الحدث الرئيسي في المملكة. وربطت الإذاعة بهذه الإدارة بعد تأسيس الإذاعة السعودية عام 1368هـ الموافق 1949م؛ وكانت مديرية الحج والإذاعة تابعة لوزارة المالية مثلها مثل كثير من المديريات في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. حيث كانت المالية التي تعد «ام الوزارات» أما كذلك للنواة التي ولد من رحمها الإعلام.. لما كانت تقتضيه تلك الظروف من إعطاء مخصصات مالية لأداء مهام تلك المديريات (الوزارات).. وانفصلت الإذاعة عن مديرية الحج وتكونت المديرية العامة للإذاعة تابعة لمجلس الوزراء عام 1374هـ الموافق 1955م.. وفي العام نفسه انضم قلم المطبوعات إلى جهاز الإذاعة في مديرية عامة واحدة سميت (المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر).. وهذه أول نواة حقيقية لمشروع تأسيس وزارة اعلام، وعين عليها الشيخ عبدالله بلخير رحمه الله ولهذا فإن الشيخ عبدالله بلخير كان يرى ان هذه كانت تمثل وزارة إعلام.. بينما يرى الشيخ جميل ان تأسيس وزارة إعلام كان وفق مرسوم ملكي بتعيينه هو أول وزير للإعلام عام 1382هـ 1962م.
وقد تولى وزارة الإعلام حتى اليوم خمسة وزراء اختلفت مددهم الوزارية، فقد أمضى ثلاثة وزراء حوالي الثماني سنوات، وهم الشيخ جميل الحجيلان، والدكتور محمد عبده يماني، والدكتور فؤاد عبدالسلام الفارسي - حتى اليوم-، وأطول فترة وزارية كانت للاستاذ علي الشاعر بحوالي ثلاثة عشر أو أربعة عشر عاما، وأقصرها كانت للشيخ ابراهيم العنقري حيث لم تتعد الخمس سنوات.
وإذا كان لنا ان نضع عناوين (مانشتات) رئيسية لأهم إنجازات كل مرحلة، فيمكن ان نقول ان مرحلة التأسيس الإداري لجهاز الوزارة كانت ثمرة عمل كل من الشيخ جميل الحجيلان والشيخ ابراهيم العنقري.. ومرحلة التأسيس الإعلامي المهني تمثلت في فترة الدكتور محمد عبده يماني، أما الانطلاق نحو الخارج وانتشار وسائل الإعلام السعودية دوليا فكانت من جراء جهود الاستاذ علي الشاعر، أما الفترة الحالية في عهد الدكتور الفارسي ففي نظري انها تمثل فترة ازدهار حقيقي للإعلام السعودي من ناحية هامش الحرية ومساحات التوهج الإعلامي داخلياً وخارجياً.. وإجمالاً، يمكن القول بأن مرحلة الشاعر مثلت انطلاقة في الأدوات الإعلامية، بينما مرحلة الفارسي مثلت انطلاقة في المضمون الإعلامي.
* والسؤال ماهو المطلوب في المرحلة القادمة؟
المؤكد ان المطلوب في المرحلة القادمة قد يفوق ماتحقق من إنجازات في مراحل سابقة، وربما نقول ان المطلوب يتجاوز مجمل المتحقق فيما مضى.. وإذا أردنا أن نضع عناوين المرحلة القادمة لأي وزير يأتي ويتسلم حقيبة الإعلام يوم الاثنين بعد القادم.. فنستطيع ان نضع العناوين التالية:
1- أن يعمل الإعلام جنباً إلى جنب مع المؤسسات السياسية ليواكب تطلعات القيادة.. وليس من المفترض ان يأتي الإعلام كما تعودنا لاحقا لكل قراراتنا ومبادراتنا، فمن المهم ان يأتي الإعلام ليقود المرحلة الجديدة من مشروع التطوير والتنمية السعودية.. لا أن يغيب تماما، أو يأتي متأخراً.
2- يعمل الوزير القادم على وضع خطة تطوير حقيقية، وليست شكلية ولا ترقيعية، لأزمة الرسمية في الإعلام التي تعاني منها هذه الأجهزة إلى اليوم.. وتتضمن الخطة التحول إلى صيغ مؤسسية جديدة غير القائمة حاليا، لتواكب التحديات الكبرى التي تواجه المملكة داخليا وخارجيا.. وحتى لو تطلبت المرحلة التخلي التدريجي عن الدور الرسمي للمؤسسات الإعلامية الحالية (الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء) لصالح وضعية جديدة وبناءات متطورة تخدم الهدف السياسي والاجتماعي للمملكة فلا مانع من ذلك.. فليس مهما ان يكون لناجهاز إداري ضخم للوزارة، قوامه حوالي ستة آلاف موظف، عندما لايكون هناك داعي لمثل هذا الجهاز.. ولكن إذا كان هناك داعي واحتياج فلا بأس من وجود حتى اضعاف هذا العدد إذا كان كل فرد في هذا الجهاز يقوم بما ينبغي عمله، وفق استراتيجية واضحة وبمخرجات إيجابية وانتاجية عالية.
3- أن تكون المرحلة القادمة من إعلامنا موجهة إلى إعلام خارجي بالدرجة الأولى، لتصبح لدينا خطة استراتيجية لمواجهة القوى الخارجية التي تسعى إلى التشويش على صورة المملكة وبالتالي إعاقة المشروع السياسي للمملكة في العالم العربي والإسلامي وعلاقاتها الدولية.. ويكون الإعلام هو دبلوماسية المواجهة القادمة التي توظفه المملكة لخدمة مصالحها الاستراتيجية في العالم.
4- تحاول الوزارة القادمة استعادة المواطن السعودي من أحضان الفضائيات والإعلاميات العربية والدولية، التي تسعى إلى التشويش عليه، والتأثير على فكره وسلوكياته.. فمع مرور الوقت، يفقد الإعلام السعودي كثيرا من متابعيه من القراء والمستمعين والمشاهدين.. ولهذا يتحتم علينا إعادة بناء جديدة في شكل ومضمون إعلامنا ليستعيد ثقة الناس في أجهزتنا.. والخطورة التي قد لايدركها البعض هي ان الثقة التي تتولد لدى الموطن «الإعلامي» تنعكس على مزيد من الثقة في المؤسسات المجتمعية في البلاد.. والعكس قد يكون صحيحا، فإذا فقد المواطن ثقته في مؤسساته الإعلامية فقد يكون إيذاناً بفقدان ثقته في المؤسسات الاجتماعية.
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية
السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|