بين فترة وأخرى تثار قضية الطلاق في بعض الصحف وينتهي الأمر بطية الصفحة كغيرها من الصفحات التي تطوى يوميا وأسبوعياً في زحام هذا العصر فيما تغيب هذه القضية من قائمة أولويات المجتمع ومؤسساته التوعوية والتربوية وإذا خرجت دراسات وإحصاءات نجدها تدخل الدائرة الإعلامية بوقت محدود لتستقر بعد ذلك في الأدراج حبيسة الإهمال والنسيان.. هذا الطرح لقضية الطلاق اجتماعياً له أسباب عديدة تسللت إلى مجتمعنا ثم استقرت مع متغيرات الحياة الاجتماعية المعاصرة التي شغلت الناس عن بعضهم البعض وأصبحوا كالحاضر الغائب شخوص وبشر أقرباء وجيران وحتى داخل العائلة الواحدة ولكنهم منفصلون نفسيا واجتماعيا حيث ضعفت الروابط وغاب سؤال الجار عن الجار بعد أن ضاعت حقوق الجار وحتى الأقارب شغلتهم هموم الحياة وطبيعة حياة العصر عن الزيارات والنصح والمشورة والانتباه لمشكلات البيوت حيث حل الهاتف محل التزاور ورويداً رويداً أصبح السؤال والاطمئنان بالهاتف ثقيلاً إلا اضطراراً في الأعياد والمناسبات افراحا أو أتراحاً.
ووسط هذا المناخ ضعف تأثير العلاقات الاجتماعية وبعد أن كان الطلاق أمراً خطيراً وصعبا، وهو أبغض الحلال عند الله وكان المجتمع لا يسمح بوقوعه إلا كآخر الدواء وإذا وقع يجد الزوجان من يتدخل للإصلاح والتوفيق بينهما ورجوعهما حفاظاً على الأسرة اصبح الطلاق أسرع من البرق في لحظة غضب وضعف في الوازع الديني والضمير الإنساني ودون إدراك لعواقبه، والمحيط الاجتماعي القريب للأسرة لا يحرك ساكنا، فقد تلاشى دور ومسؤولية الآباء والأمهات ولعل الكثير منهم ومنهن يساعدون على هذا الطلاق لحقد وغيرة من بعض الأمهات والأخوات وبنات الزوج هذا إذا كان الزوج متزوجاً من أخرى وأنجب منها بنات وأولاداً وتوفيت ثم تزوج هذه المسكينة لتربيتهم ثم إذا كبروا شمروا عن سواعدهم في نقل الفتن والقيل والقال للخراب بين الزوجين.. هؤلاء المساكين لا يعلمون أن عليهم رقيباً من الله ولا يظلم ربك أحدا سبحانه جل في علاه.
هذه واحدة من آلاف القضايا من أسباب الطلاق ويكون الزوج قد فتح أذنيه لما يبثه هؤلاء ويصدق به ويفتري على زوجته بالظلم والبهتان. ومن الأزواج من يقول انه طلق زوجته لأن أهل الزوجة ليسوا في مستوى عائلته العريقة.. وهنا اذكره بقوله تعالى: {إنَّ أّكًرّمّكٍمً عٌندّ اللهٌ أّتًقّاكٍم} عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن نقي وفاجر شقي وأنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هو فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان تدفع بأنفها النتن) رواه أبو داود والترمزي. وبعض الأزواج إذا أتاه اي واش يسمع منه وينفثه في الهواء لأنه كما يقول المثل (وضع في أذنه الأولى طينة والثانية عجينة) وهذا هو الأصح لذلك تحلل الكثير من الأزواج من عنصر وسلطة الآباء والأقارب التي كانت تصلح وتوقف وتبعد فكرة الطلاق وتعين على الاستقرار الأسري.
عموما أسباب الطلاق كما أسلفت كثيرة وما يهمنا هنا سلبية المناخ الاجتماعي تجاه الظاهرة فأهل الرأي والمؤسسات التوعوية وسادة علم النفس والاجتماع لا يتناولون القضية إلا عرضاً أو حين يطلبهم الإعلاميون رأياً وكأن الأمر لا يتعلق بظاهرة تفشت في المجتمع وتقلق مضجعه ولا بمشكلات أسرية تغوض أركان البيوت.. من هنا أقول عليكم بأهل الرأي أن تبحثوا في إحصاءات وبيانات المحاكم كم هي قضايا الطلاق مخيفة وكم هي قضايا الخلافات الزوجية تنذر بالخطر على المجتمع؟!
وإذا كانت قضية الطلاق كظاهرة عامة في المجتمع تتعرض بسببها الأسر للتفكك ولأجيال من الأبناء بالاحباط فإن التبعات الاخرى للطلاق تشير إلى ظلم كبير من تقطع صلة الرحم بسبب مواقف بعض الآباء المطلقين على أبنائهم أو تناسيهم أو غفلتهم لحق الله في فلذات الأكباد فالبعض بكل أسف ما ان يقع الطلاق وتنتهي روابط الأسرة حتى يقطعوا ما أمر الله به أن يوصل تجاه أبنائهم والعداء تجاه من كانوا أرحامهم.
|