{إنَّ اللهّ مّعّ الّذٌينّ اتَّقّوا وَّالَّذٌينّ هٍم مٍَحًسٌنٍونّ} صدق الله العظيم.
أيها المسلمون قال أعرابي في مجلس معتمر بن سليمان: أدب الدين هو داعية الى التوفيق وسبب الى السعادة وزاد من التقوى، وهو ان تعلم شرائع الاسلام وأداء الفرائض وان تأخذ لنفسك بحظها من النافلة وتؤدي ذلك بصحة النية وإخلاص اليقين وحب الخير شافيا به مبغضا للشر نازعا عنه. ويكون طلبك للخير رغبة في ثوابه ومجانبتك للشر رهبة من عقابه فتفوز بالثواب وتسلم من العقاب. ذلك اذا اعتزلت الذنوب الموبقات وآثرت الحسنات المنجيات.
وقيل التأديب نوعان: ما يلزم الانسان في تأديب ولده، أو فيمن يلزمه تأديبه وهو أن يأخذه بمبادئ الأدب ليأنس بها حتى تصير له كالطبع وما يلزم الانسان في تأديب نفسه فأما ما يلزم الانسان في تأديب نفسه فقسمان: أدب مواضعة واصطلاح وأدب رياضة واستصلاح.
فالأول: ما اصطلح عليه العقلاء واستحسنه الأدباء. والثاني: ما هو محمول على حال لا يجوز في العقل ان يكون على خلافها. قال المفضل: رأس الأدب معرفة الرجل نفسه.
وقال بعضهم: رأس الأدب المنطق. ولا خير في قول الا بفعل. ولا في مال الا بجود ولا صدق الا بوفاء. ولا في فقه إلا بورع، ولا في صدقة الا بنية.
لما دخل ضمرة بن ضمرة على المنذر بن ماء السماء، وهو اذ ذاك ملك الحيرة واليمامة وكان ضمرة ذا عقل وعلم وحلم وحكمة وشجاعة الا انه كان دميم الخلقة قصير القامة، وكان ذكره قد شاع في الآفاق لما فيه من الخصال المحدودة. فلما رآه المنذر احتقره لدمامة خلقته وقصر قامته. فقال: سماعك بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له ضمرة: أيها الملك: ليس المرء بحسنه وجماله، وبهائه وكماله وهيئته وثيابه لا والله حتى يشرفه أصغراه لسانه وقلبه ويعلو به اكبراه همته ولبه. وقد قال الشاعر:
وما المرء الا الأصغران لسانه
ومقوله والجسم خلق مصور
وقال آخر:
رأيت العز في أدب وعلم
وفي الجهل المذلة والهوان
وما حسن الرجال لهم بفخر
اذا لم يسعد الحسن البيان
كفى للمرء عيباً ان تراه
له وجه وليس له لسان
وفي هذا المعنى قول بعضهم:
وكائن ترى من صامت لك معجب
زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق الا صورة اللحم والدم
ودخل المختار بن أبي عبيد على معاوية وكانت عليه عباءة رثة فاستحقره فقال له المختار:
يا أمير المؤمنين ان العباءة لا تكلمك، ولكن يكلمك من فيها وأنشد: