* باريس - ياسمينة صالح:
بمنتهى الجدية نسأل: هل عملية الاستيلاء الروسية على أرشيف النظام العراقي كانت محاولة من موسكو لتثبت للأمريكيين و للبريطانيين أن أحقيتها في أرشيف صدام حسين لا تقل عن أحقيتهما في الحرب؟ منطق سياسي يلبس ثوب النزاع العسكري، بحيث ان عملية التهريب التي نفذها الدبلوماسيون المخابراتيون الروس كانت الأكثر ألماً للأمريكيين، ليس لأنهم أخرجوا أسرارا خطيرة من العراق، بل لأنهم ببساطة نجحوا في السبق عندما نجحوا في الاستيلاء على تلك الشبكة من المعلومات الدقيقة عن النظام العراقي.جاء ذلك في تقرير نشرته مجلة «فريتي» الفرنسية مؤخرا.
وذكر التقرير أن دخول جيوش التحالف الأمريكي البريطاني كان تمهيدا لدخول رجال من مكتب الاستخبارات الأمريكية، والبريطانية المكلفين بالاستيلاء على الوثائق السرية العراقية، بما في ذلك أرشيف النظام العراقي الخاص بالاستخبارات العراقية.
وتضيف المجلة ان الأمر بدا سهلا بعد الاجتياح الأمريكي البريطاني للعاصمة بغداد بتلك السهولة العجيبة التي اخبرنا بها بعض العراقيين الذين رفض المكلف بالعمليات العسكرية الأمريكية في بغداد إخبارنا عن صفتهم إن كانوا مدنيين أم من الجيش وماذا كانت رتبهم ، قالوا لنا :إنهم عراقيون أرادوا إدانة النظام العراقي السابق دوليا.
تنسيق كامل
ويتابع التقرير: لكن الشيء الغريب
أن مكتبي الاستخبارات الأمريكية والبريطانية عملا مع الاستخبارات العراقية جنبا إلى جنب إبان الثمانينات في الحرب العراقية الإيرانية كان هنالك شبه تنسيق كامل مع المكاتب الثلاثة:
الأمريكية، البريطانية والعراقية وعلى الرغم من ذلك لم يكن دخولهم إلى بغداد يوم 9 أبريل شيئا مصرحا به.
لولا ما كشفته الصحف الأمريكية، مسلطة الضوء على الوجود المخابراتي للأمريكيين والبريطانيين في العراق. بعض الصحف قالت ان ثمة ضباطاً من المخابرات الإسرائيلية يساعدون في البحث عن الوثائق..
«جريدة جريزاليم بوست» الإسرائيلية كشفت بتاريخ 15 أبريل أن إسرائيل تساعد في البحث عن أسرار عراقية مهمة،
تهم الدولة العبرية، بالدرجة التي تهم الأمريكيين والبريطانيين ذلك أمر يفسر الكلام الموسع عن دور الاستخبارات في إسقاط العاصمة بغداد بذلك الشكل إلا أن مهمة الحصول على أسرار دقيقة كان في غاية الصعوبة لأن النظام الذي سقط كان يرفض ببساطة أن تسقط تلك الأسرار بين أيدي الأمريكيين الذين لم يكتفوا بالبحث في بغداد وحدها، بل تجاوزوا العاصمة إلى مدن عراقية أهمها تكريت.ويقول التقرير: في العراق الأمر مختلف كثيرا باعتبار أن سقوط النظام لم يؤد إلى موت أو إلقاء القبض على الرئيس وأتباعه هذا لوحده يكفي للقول للأمريكيين أن ما تبحثون عنه يشبه الإبرة وسط كومة من القش.
واشارت المجلة إلى ان الشيء الذي لم يكن في الحسبان هو أن روسيا مهتمة بدورها بتلك الملفات الدقيقة.. ربما أكثر من كل الحلفاء الذين دخلوا في الحرب على العراق.
ويضيف التقرير أن مبنى المخابرات الخارجية SVR والذي يعمل بشكل تابع لمكتب الاستخبارات المركزي المسمى سابقا ال KGB وكذلك المكتب العسكري للاستخبارات GRU والذي كان أهم مراكزه السفارات الروسية في الخارج والحال أن السفارة الروسية في بغداد كانت قبيل الحرب تنسق مع الاستخبارات العراقية لأجل شيء لم يكن يعلمه الأمريكيون بشكل دقيق.
وأوضح التقرير انه حين اندلعت الحرب على العراق وضعت موسكو سفارتها في بغداد في حالة طوارئ قصوى أكثر من ذلك فقد تم وصول أكثر من عشرين ضابطا في المخابرات الروسية إلى بغداد بشكل جعل كتابة تقارير عن الأمر إلى البيت الأبيض يؤكد على أن ثمة تحركاً مشبوهاً من الروس في العراق.
المؤكد أن رجال الاستخبارات الروس الذين وصلوا إلى بغداد يوم 22 مارس كانت لهم اتصالات شبه يومية مع أعلى ضباط المخابرات العراقية وهو ما يؤكد أن التعليمات الروسية للسفارة هي أن تكون حصنا مخابراتيا في بغداد بحيث يساهم في تمويه الطريق للأمريكيين لتعطلهم قدر الإمكان والسبب في ذلك ليس حماية الرئيس العراقي بالضرورة بل حماية أرشيفه.
وذكر التقرير ان الضابط مظفر السعيد من المخابرات العراقية الذي ألقي القبض عليه مع عدد من الحرس الجمهوري في بناية في مدينة البصرة من قبل البريطانيين أعلن أن الاتصالات العراقية الروسية كانت على أعلى مستوى وكان مسرحها السفارة الروسية. الأمريكيون لم يكونوا بحاجة إلى هذا الاعتراف لأنهم كانوا يعرفون ذلك من قبل. جورج بوش اتصل بالرئيس الروسي فلاديميربوتن مرتين قبل دخول الأمريكيين إلى بغداد كان لب الموضوع هو الدور «غيرالصديق» الذي تقوم به روسيا في بغداد.
والمقصود هو دور السفارة الروسية في وجود أكثر من خمسين ضابطا محنكا من ضباط مخابراتها ثمة من أدلى بمعلومات تفيد أن الروس حصلوا فعلا على وثائق مهمة من الأرشيف العراقي وأنهم هربوها حقا إلى موسكو.. شيء آخر لا يقل أهمية هو أن الرئيس السابق للمخابرات الروسية والوزير الأسبق « يفغيني بريماكوف» زار بغداد يوم 23 فبراير الماضي بشكل سري للغاية والتقى بالرئيس العراقي صدام حسين.
وتساءلت المجلة عن اسباب الحرص الروسي على أرشيف صدام حسين؟ واجابت انه يعود لثلاثة اسباب هي:
أولا لأن الحصول على أرشيف العراق سيسمح للروس بلعب ورقة ما بعد صدام حسين وبالتالي في عدم طرح فكرة «اللا مساس» على الروس بالنسبة للكعكة العراقية وهذا يسميه الروس دفاعا عن المصالح الروسية في العراق وفق ما يمكن أن يفعله الروس في صياغة العراق بنظام سياسي جديد وهذا يعني أن ورقة الضغط ستكون بين أيدي الروس أيضا يمكن استعمالها في الوقت الذي تراه موسكو مناسبا ليس ضد العراقيين الوافدين إلى الحكم الجديد بل ضد الأمريكيين الذين كما تقول موسكو صارت رقبتهم بين يديها!
الأمر الثاني يعني الروس أنفسهم وهو أن الوثائق التي استولوا عليها سوف تكشف لهم عن الجهة التي عبرها كان الرئيس العراقي السابق صدام حسين يمول الأحزاب السياسية الروسية بمن فيهم الشخصيات السياسية الروسية المهمة وهي صفقة مربحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتن وهو على مقربة من الانتخابات الرئاسية بحيث يمكنه التحكم في المرشحين المقبلين على هواه.. بحيث ان انتخابه رئيسا لعهدة جديدة يبدو قاطعا..
ثالثا ان روسيا تريد ان ينضم عراقيون محنكون إلى مكاتب استخباراتها للعمل لصالح روسيا وهي الأمنية التي عبر عنها بريماكوف نفسه أيام كان رئيسا للمخابرات الروسية.
مخاوف العراقيين:
وذكر التقرير انه حين قصفت طائرة أباتشي موكب السفير الروسي المتوجه نحو الحدود العراقية السورية لم تعتذر الولايات المتحدة لروسيا حتى و هي تتكلم عن «الضرب بالخطأ» لأن الجيش الأمريكي أبلغ من الروس أن الموكب سيغادر في الوقت والمكان المعلومين بحيث كان خروج السفير مصرحا به.. أي لم تجعله روسيا سريا ومع ذلك تعرض للقصف ربما كان الغرض منه هو قصف ذلك الشيء الذي كانت الإدارة الأمريكية تعرف أنه مهربا إلى روسيا.. بعضهم ذهب إلى حد القول ان «طارق عزيز» نفسه كان موجودا في موكب السفير وهي أخبار سارعت إلى تكذيبها الخارجية الروسية.. لكن الشيء الأكيد أن الموكب لم يكن خاليا من الأسرار العراقية.
رايس في موسكو:
وأشار التقرير ان مستشارة الأمن القومي «كونداليزا رايس» سافرت إلى موسكو فجأة مباشرة بعد القصف الذي تعرض إليه الموكب الرسمي الروسي.
وأوضح ان روسيا بدت غاضبة وهي تستقبل الزائرة الأمريكية غير المرغوب فيها حيث قيل وقتها ان الرئيس الروسي رفض استقبالها لكن معلومات من الكريملين أكدت أن كونداليزا التقت بالرئيس الروسي وتحدثا مطولا عن : ما بعد صدام وعن الأرشيف السري للنظام العراقي قيل ان كونداليزا جاءت لتساوم ..وأنها كانت غاضبة جدا و هي تغادر موسكو حين عادت إلى البيت الأبيض قالت: بنبرة مثيرة للعجب:
سنعرف كيف نقلم أظافر اللصوص !! ما كان يهم الولايات المتحدة في أرشيف صدام حسين هو : أولا : الدول التي كانت تمنح الدعم للعراق في نظام التسلح النووي بكل مفرداته المحظورة.
ثانيا: أسماء رجال المخابرات العراقية وتفاصيل تحركاتهم في الدول الأوربية.
ثالثا: التقارير السرية العراقية عن نوع الدعم اللوجستيكي الذي كانت تمنحه للتنظيمات القومية العربية وبالتالي علاقة المخابرات العراقية بمكاتب مخابراتية عربية.. وهو العنصر الذي جاءت إسرائيل للبحث عنه بشكل دقيق.
رابعا: الأرشيف كان يضم تخطيطا شاملا عن العراق وبالتالي عن الأماكن الأكثر سرية في هذا البلد بحيث ان الحديث عن الوصول إليه كما الحديث عن كشف كل
الخبايا العراقية المجهولة بما في ذلك الكشف عن أماكن تواجد الرئيس العراقي نفسه.
خامسا و هذا هو الأهم : أسماء رجال المخابرات العراقيين الموجودين في الداخل وفي الخارج .
النصر الروسي:
وختمت المجلة تقريرها بالتأكيد على ان روسيا لا تبدو مستعدة للتفريط بما حصلت عليه وما يمكنها أن تمنحه للأمريكيين هو إيهامهم أن ما حصلت عليه أثمن من النصر الذي حققوه في العراق.
فما داموا لم ينجحوا في اغتيال الرئيس العراقي و لم يحصلوا على أرشيف النظام العراقي إذاً فقد فشلوا حيث نجحت المخابرات الروسية، هذا ببساطة يعكسه التعبير التهجمي لدونالد رامسفيلد على الروس: ما فعلوه هو الخيانة بعينها ولن نرضى بأقل من استرداد كرامتنا منهم!
|