الراصد لواقع وأداء دخول الشركات والمؤسسات الاستثمارية يجد انه لا يزال هناك تباطؤاً في دخول وجذب هذه الاستثمارات الاجنبية والذي يلزم دراسته بشكل صريح يفصح عن كل المعوقات والمسببات التي من شأنها ان تقف أمام دخول الاستثمار والشركات الاجنبية لفتح المجال أمام المشاريع الاستثمارية المشتركة والتي ستضيف للاقتصاد الوطني قيمة مضافة بإذن الله تعالى وتكون وسيلة لايجاد وظائف جديدة لاستغلال الموارد البشرية وتعتبر في نفس الوقت روافد ايجابية للاقتصاد الوطني. حيث لوحظ انتقال او لجوء بعض المستثمرين الى الاستثمار في دول مجاورة بسبب الجاذبية الموجودة في تلك الدول.
إن عملية تطوير خطط وبرامج الاستثمار الاجنبي تشغل بال الكثير من المختصين والمهنيين والجهات المختصة وبالذات الجهات التشريعية والتنظيمية ويحظى جانب الاستثمار وتشجيعه في القطاعات المختلفة باهتمام كثير من الجهات ونلاحظ ذلك في مناقشات اعضاء مجلس الشورى لنظام الاستثمار التعديني حيث قدم عدد من الأعضاء ملاحظاتهم واقتراحاتهم على مواد مشروع النظام ومنها على سبيل المثال مطالبة بعض الاعضاء بتعديلات فيما يخص ترخيص الاستثمار التعديني ومبررات إلغائه واعتبر بعض الاعضاء ان إلغاء الترخيص فيه نوع من القسوة والاجحاف بحق المستثمر وغير ذلك من المناقشات الهادفة الى تشجيع الاستثمار وذلك لدعم اقتصادنا الوطني في مسيرته.
ومع ذلك فالملاحظ أن هناك توجه شريحة من المستثمرين الى دول مجاورة بسبب التسهيلات التي تقدمها تلك الدول والتي اصبحت جاذبة للمستثمرين سواء كانت هذه التسهيلات في صورة إجراءات قصيرة او متطلبات محددة للحصول على التراخيص القانونية والتمويلية لأي مشروع.
لقد تبين ان أهم معوقات الاستثمار تتمثل في بيروقراطية وروتين بعض الإجراءات والتي تعطل بلا شك من حركة الاستثمار خاصة في ظل وجود منافسة كبيرة في الاسواق العالمية متزامنة مع الانفتاح الاقتصادي العالي والعولمة والمنافسة والاغراق والبطالة مع ملاحظة ان الإجراءات الروتينية والتي هي من فيروسات التنمية كما قال سمو الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي محافظ الهيئة العامة للاستثمار تتسبب في هجرة كثير من الأموال الى الأسواق الخارجية.
لقد اصبح واضحا الآن ان الاستثمار الاجنبي هو أهم المصادر الاستثمارية لاغراض النمو الاقتصادي في الدول النامية وتأخذ تدفقات هذا النوع من الاستثمار اشكالا مختلفة فإما على شكل مشاريع صناعية او خدمية او امتلاك حصص في مشاريع انتاجية او خدمية جديدة، مما يسهم في بناء الاقتصاديات الوطنية ويجعلها قادرة على الصمود في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية والتي تتطلب اقتصادا حرا وتسهيل الإجراءات وتذليل المعوقات التي تواجه المستثمرين، والراصد لحركة النمو الاقتصادي في المملكة يجد بحمد الله ان هذا النمو قد شهد قفزات هائلة خلال الفترة الحالية نتيجة فتح آفاق جديدة للاستثمار وتشجيع الجهات الرسمية لجذب المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في المملكة بتذليل العقبات أمامهم بهدف تحقيق أداء أكثر فعالية للاقتصاد الوطني حتى تتحقق - بإذن الله - أهداف الخطط التنموية التي وضعتها الدولة لتحقيق التقدم الاقتصادي المنشود خلال الفترة القادمة ولكن تبقى الآمال كبيرة ومتجددة، حيث ان اقتصاد المملكة والحمد لله ملتزم بمنهج اقتصاد السوق والذي اعطى دوراً أكبر للقطاع الخاص حيث تتوافر عدة مميزات وملامح في اقتصادنا الوطني من حيث سعته وكبر حجمه لا تتوافر في كثير من الاقتصاديات الأخرى والحمد لله ومن بعض هذه الملامح ما يلي:
1- وجود بنية تحتية متطورة وكبيرة في جميع أنحاء المملكة والحمد لله حيث توجد شبكة واسعة من منشآت البنية التحتية من مطارات وطرق مرصوفة ومحطات لتوليد الكهرباء وتحلية المياه بالإضافة الى قطاع مصرفي متطور.
2- امتلاك سوق متميزة ومتنوعة وكثيرة.
3- الموقع الجغرافي المتميز للمملكة حيث تتمتع بموقع استراتيجي ممتاز حيث تقع على ملتقى الطرق التجارية بين الشرق والغرب ولها منافذ بحرية على الخليج العربي تطل منها على آسيا والشرق الأقصى وأخرى على البحر الأحمر تمكنها من النفاذ الى اسواق أوروبا وافريقيا بسهولة ويسر.
4- ان اقتصاد المملكة ذو حجم اقتصادي كبير بناتج محلي يقرب من 169 مليار دولار ونلاحظ ان المملكة تتمتع بجاذبية كبيرة للاستثمارات الاجنبية حيث تحظى بثاني اكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط بعد تركيا اذ يقدر اجمالي الناتج المحلي فيها بنحو 167 ،8 مليار دولار في عام 2000م وهو ما يعادل حوالي ربع الناتج الاجمالي لكل الدول العربية مجتمعة.
5- الاستقرار الاقتصادي والسياسي والمكانة الدولية التي تنعم بها المملكة والحمد لله والتي يبدو واضحا فيها جاذبية الاقتصاد السعودي لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية لانخفاض معدلات التضخم الى مستويات تعتبر متدنية حتى بمقاييس الدول الصناعية الكبرى مع محافظة العملة الوطنية على استقرار سعر صرفها من عام لآخر ويؤدي هذا الاستقرار في سعر الصرف الى تحييد أي آثار سلبية على المستثمرين الأجانب قد تنجم من تذبذب سعر الصرف مقابل العملات الاجنبية الأخرى.
6- وفرة الموارد الطبيعية وتنوعها مثل البترول والحديد والذهب: تتمتع المملكة كذلك بوفرة في الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط كما تحظى باحتياطات كبيرة من الغاز الأمر الذي يجعل المملكة من بين أرخص مصادر الطاقة الحفرية في العالم.
إن من الأخطاء غير المقصودة التي تمارس من قبل بعض الموظفين في الجهات المختلفة تؤدي الى تأخير عمل المستثمرين حيث يمارس بعض الموظفين دوراً بيروقراطياً طارداً للاستثمار الاجنبي بكثرة المراجعات وطول الإجراءات وتعددها والتي هي فيروسات ومعوقات للاستثمار الاجنبي ولا ننسى ان هناك منافسة دول مجاورة لجذب الاستثمار بسبب التسهيلات الكبيرة التي تقدمها تلك الدول.
أملي وأمل كل مواطن غيور محب لوطنه ان تتم عملية تيسير الإجراءات لبناء قاعدة اقتصادية تكون مفتاحاً لامتصاص واستثمار الكوادر البشرية الوطنية من خلال إعادة دراسة واقع الاستثمار الأجنبي.
(*) مستشار اقتصادي ومدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية
|