* موسكو أش أ:
بالرغم من أن الحرب على العراق لم تضع أوزارها إلا مؤخراً وما زال أمام واشنطن الكثير لتفعله قبل أن تنتهي من أجندتها هناك فقد ظهرت مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل تتجه لما يمكن وصفه بتصفية الحسابات أو على الأقل وضع النقاط على الحروف مع معسكر الرافضين للغزو الأمريكي للعراق.
ولم يعرف حتى الآن ما يكفي من تفاصيل حول ما دار في الزيارة السريعة التي قامت بها مستشارة الأمن القومي الأمريكية كوندوليزا رايس مؤخراً لموسكو ومحادثاتها السرية مع المسؤولين الروس، ولكن المؤكد أن المحادثات تطرقت إلى نقاط في إطار وضع النقاط على الحروف في علاقات الدولتين.
ومن الواضح أن ثمة فروقاً بين تعامل الولايات المتحدة مع الرافضين الأوروبيين مثل فرنسا وألمانيا والذين تربطهما بهم مصالح بعيدة المدى وهو ما يفسر بوادر التهدئة والمصالحة وبين تعاملها مع خصمها القديم روسيا الذي ترى أنه يخطئ إذا ظن أنه لا يزال قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة على ساحة السياسة الدولية أو تقود صفوف المناوئين لسياساتها «كما فعلت موسكو باستضافة ما أسمته واشنطن قمة الخاسرين في سان بطرسبرج يومي 11 و 12 ابريل الجار» دون أن تدفع ثمنا لذلك .
وقد رصد المراقبون تلميحات صدرت من واشنطن بأنها ربما لن تظل تعتبر روسيا عضواً مؤهلا للمشاركة في نادي الثمانية الكبار «قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى» كما فوجئت روسيا من ناحية أخرى بأنها قد أطيح بها من المفاوضات في بكين والخاصة بالأزمة النووية لكوريا الشمالية حيث تحولت الآن إلى مفاوضات ثلاثية تقتصر على واشنطن وبكين وبيونج يانج بعد أن كان من المقترح أن تشمل دولاً أخرى في مقدمتها روسيا ذات الصلة الوثيقة بحكومة كوريا الشمالية.
وقد وصفت بعض المصادر استبعاد موسكو من مفاوضات كوريا الشمالية بأنه بمثابة لطمة مؤلمة أحست بها النخبة الحاكمة في روسيا ولذلك لعدة أسباب.
السبب الأول أن موسكو كانت تعتقد أنها باعتبارها واحدة من أقرب أصدقاء كوريا الشمالية وفي ضوء الصداقة الشخصية التي تربط بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكوري الشمالي كيم يونج ئيل فلا بد أن يكون لروسيا مكان ولو شرفي على أي مائدة تفاوض حول كوريا الشمالية إذا ما وافقت بيونج يانج على عقد مشاورات متعددة الأطراف.
ثمة سبب آخر هو أن موسكو كانت حريصة على أن تلعب دورا رئيسياً في مفاوضات أوسع نطاقا في المستقبل تركز على بواعث القلق الأمنية إقليمياً وعالمياً من انتهاكات كوريا الشمالية لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفي هذه الحالة كانت روسيا تتصور أن تضم مثل هذه المفاوضات الموسعة بجانب روسيا والولايات المتحدة كلا من الصين و اليابان وأستراليا والاتحاد الأوروبي.
وقد فوجئت موسكو بموقف كوريا الشمالية نفسها بعد أن أدركت هذه الأخيرة أنها لن تتمكن من فرض مطالبها على واشنطن بعقد معاهدة ثنائية بعدم الاعتداء وأنه لا بد من التفكير بواقعية أكثر.ووجدت كوريا الشمالية أنه ليس ثمة فرق بين مفاوضات ثنائية أو ثلاثية، بمشاركة الصين، وقبلت الاقتراح الأمريكي.
ووصل الأمر إلى حد ذكر بعض المصادر أنه يدور في أروقة بيونج يانج الآن، ولو همساً، أن كيم يونج ئيل لم يكن يتصور أن تحرز واشنطن مثل هذا الانتصار العسكري الساحق والسريع في العراق وأنه «تأثر» بما.
ويرى المحللون أن استجابة كوريا الشمالية لعقد اجتماع ثلاثي يضم الصين والولايات المتحدة «رغم كل حملات العداء بينها وبين هذه الأخيرة» ويستبعد روسيا في الوقت نفسه تعكس بصفة أساسية نظرة براجماتية وعملية لأن الولايات المتحدة بمقدورها دعم أي اتفاقيات أو مشروعات ذات جوانب اقتصادية ومالية، في حين أن روسيا تنتظر هي نفسها من يتقدم لتمويل ما تحلم به من مشروعات.
ويقول بعض المحللين إنه لو جاءت مفاوضات كوريا الشمالية قبل أزمة العراق الأخيرة فربما استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش نفوذه لإشراك فلاديمير بوتين فيها ومنحه الدور الذي يصبو إليه لكي تظهر بلاده بمظهر القوة المؤثرة في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
ولكن الصورة كان لا بد لها أن تتغير الآن بعد أن اتهمت موسكو واشنطن صراحة في الآونة الأخيرة بأنها تتسبب في زعزعة استقرار العالم كله بغزوها للعراق.
ولذلك جاءت الرسالة التي أرادت واشنطن إرسالها لموسكو مهينة ومضمونها أنه من الآن فصاعداً فإن واشنطن لن تتعامل إلا مع اللاعبين السياسيين الحقيقيين وليس السابقين أو الحالمين.
|