حينما أصدر «فوكوياما» كتابه «نهاية التاريخ»، لم يكن يقرر فقط، نهاية الحرب الباردة، وهزيمة الاشتراكية، وسقوط حلف وارسو.. كان يعلن:
انتصار «الحرية»، بمنظور الليبرالية الغربية، من خلال «الديمقراطية»، بوصفها الشكل «النهائي».. والأرقى، لحرية التعبير..
ويعلن سيادة «اقتصاد السوق».. الحر، كما عبرت عنه الرأسمالية، مقابل الاقتصاد الموجّه، الذي تمثله الاشتراكية..
كان يقدم للبشرية، ما كانوا يزعمون انه «الأنموذج» لمجتمع «فاضل».. حققوه.
المجتمع الذي يعلي من قيمة الإنسان.. «أي» إنسان، فيمنحه الحرية، والعدل.. ويحترمه، ويحفظ حقوقه..!
المجتمع الذي يقولون، انه يحترم الحياة الإنسانية، بغض النظر عن لونها، أو جنسها، أو دينها، وليست حياة الإنسان الأبيض.. المسيحي فقط..!
كان فوكويا يبشر بموت «الأيديولوجيات».. كل الأيديولوجيات، ويقف على أبواب «واشنطن»، يرحب ب«القادمين» الجدد بواحة العدل والحرية.. حرية التعبير، و«حقوق الإنسان»، التي «يكفلها» الدستور الأمريكي «!!».. في ظل الديمقراطية، التي ما فتئت أمريكا تروج لها، وتحيك المؤامرات من «أجلها»، وتصنع عملاء و«كرازايات»، يأتون على دبابات أمريكية، ل«فرضها» على الشعوب.. لتنعم بلذة التقلب في نعمائها.
كان يبشر ب«يوتوبيا» الخلاص..!
من «هيروشيما» مروراً ب«درسدن» إلى «بغداد»، تخصصت أمريكا باغتيال المدن، وحرق ساكنيها.. وقتل الأطفال، باسم مقاومة «الفاشية» والدكتاتورية»..!
من رأى منكم مشهد المرأة المحترقة، تجري مذهولة في أحد شوارع هيروشيما، تشتعل فيها النار، التي صبها فوقها «مدعو الحضارة».. حماة حقوق الإنسان؟!
من رأى منكم مزق اللحم، لشيء كانوا يسمونه طفلاً، في واحد من أحياء بغداد.. التي يحرقها «مغول» القرن الحادي والعشرين.. الذين جاؤوا من أجل «حرية» العراق..؟!
آه يا بغداد.. يا عاصمة الحضارة، يحرقك «هؤلاء».. يحيلون أطفالك مزقاً، ومآذنك ركاماً، باسم الحرية، وحقوق الإنسان.. وإلغاء الدكتاتورية..
آه يا بغداد.. يدكّ مناراتك، وينتهك شرفك، سماسرة الحرب والنفط..
و«يصلّون» كل صباح.. بين يدي «الصليب»، ان يحفظ جنودهم، ويكلل مهمتهم بالنجاح..!
فوكومايا اخبرنا ان التاريخ «انتهى» عندهم، وانهم قد وصلوا الغاية في كل شيء، ودعانا.. فوكومايا، لاعتناق الليبرالية الغربية التي صنعتها أمريكا «الديمقراطية»، وأوقفتها على قدميها.. ودعمتها ضد أي «نفس» احتجاج يصدر من صدور المسلمين.
كنّا نحلم ان نرى حقيقة هذه الديمقراطية.. فجاءوا ب«كرازاي»، محمولاً على دبابة «ابرامز» وتفرش أمامه ال«بي52»، بقنابلها الذكية، وغير الذكية، «سجادة» طويلة.. حمراء، من جماجم أطفالنا، ونسائنا، وركام منازلنا.. وبعض من أنقاض مآذن مساجدنا..!
كنا نحلم أن نرى الديمقراطية.. حيث «الحرية» درة تاجها فإذا بنا أمام ديمقراطية الكيان اليهودي.. التي رعتها أمريكا، ودعمتها بطائرات «الأباتشي».. لتقتنص أطفالنا في فلسطين..!
الحرية التي «قتلت» أمريكا من أجلها مليوني فيتنامي، ومثلهم من الكوريين، وأحالت بلادهم إلى أرض محروقة.. وسكت العالم..
لقد أفقنا على عملاء «الإف.بي.آي» ينزعون الكرامة.. ويصادرون الحريات.
ان تكون مسلما في نظرهم، فأنت «لا إنسان».. مطرود ومعاقب أينما كنت.. يتكفل بك «كروز» ذكي.. يتبعك حيثما سرت.. ويحيلك إلى شظايا.. باسم مكافحة «الإرهاب»..!
وصفت المسلم ب«الإرهاب»، وهي «أس» الإرهاب، و«أصل» الوحشية، والهمجية.. وبقينا نتفرج على أطفال العراق، يتساقطون بمئات الألوف.. مثل الأوراق اليابسة..
يموتون جوعا.. ويحصدهم «اليورانيوم» المنضب..
من بقي منهم على قيد «الحياة»، بأطراف ناقصة، وتشوهات خلقية..
جاءت حملة «الحرية» للعراق.. لتحيله مزقاً.. أشلاء.. رماداً..!
جاءت ال«ب52» بالقصف السجادي.. لتعجنه.. لحماً ودماً، مع رماد عاصمة الخلافة، وبقايا الكرامة والشرف..!
تحترق بغداد.. بمتفجرات زنتها بالأطنان.. آلاف الكيلوغرامات، ويصفق البعض على مشهد النار، والرماد والأشلاء، ويرددون وراء الغزاة: «لابد للحرب من «ضحايا»..!
آه يا بغداد.. يفترسك هؤلاء ويستبيحون دمك، وشرفك.. ويقف العجزة.. على ضفاف مجدك.. وعليائك.. وشموخك، يلوكون التفاهات، ويعاقرون الخزي والعار..!
آه يا بغداد.. يا نكهة المدن العظيمة. اصدحي ب«التكبير»، بعد كل شحنة موت يصبها هؤلاء فوق ميراثك العريق..
الصدى في قلوبنا يتململ.. صهيل خيول، وبرق أسنة..!
أين المسلمون من الموت المجاني في العراق.. للأطفال والنساء والشيوخ..؟!
أكانت نهاية «تاريخ».. أم نهاية «كذبة»..؟!
ماذا صنع عملاء «الإف.بي.آي» بالحريات..؟!
كيف أمست حقوق الإنسان..؟
كيف هم السجناء في «غوانتانامو»..؟!
يحتج «رامسفيلد» على عرض الأسرى، من «الأمريكان»، الذين أرسلهم إلى العراق.. على شاشة التلفزيون.. وهو يختطف المسلمين من أطراف الأرض.. ويضعهم في أقفاص.. كالحيوانات المتوحشة..!
يتكلم عن اتفاقية جنيف للأسرى، وهو الذي داس القانون الدولي كله، وأدار ظهره لكل ما يسمى ب«الشرعية الدولية»..!
إن أمريكا يجب ان تصارح.. ليس فقط لأنها قامت بما قامت به ضد الإنسانية في كل مكان، باسم نشر الديمقراطية..!
وليس لأنها ترتكب هذا العدوان، ضد المدنيين في العراق، وضد مؤسساته المدنية.. وانتهكت القانون الدولي، واعتدت على «الشرعية» الدولية..!
وليس لأنها تخطف الرجال، وتضعهم في معتقلات لا إنسانية، مخالفة بذلك كل الاتفاقات الدولية..!
إن أمريكا يجب ان تصارح..
لأنها ليست مؤهلة للحديث عن احترام حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، واحترام الحريات.. والاتفاقات الدولية..!
إن أمريكا يجب ان تصارح
لأنها تقوم بسابقة خطيرة، من خلال ما أعطت لنفسها خلاله من حق انتهاك سيادة الدول، واحتلالها، وتغيير أنظمتها بالقوة..
بدأت بأفغانستان، وها هي في العراق.. والدور بعد ذلك على من؟!
إن أمريكا يجب ان تصارح
لأنها إن حققت بعض أهدافها.. فسوف تفتح على المنطقة أبواباً من الجحيم.. من العنف، والفوضى.. والكوارث الإنسانية..!
إننا يجب أن نثمن الأصوات والمواقف التي عارضت هذه الهجمة على العراق والتي قتلت الأطفال، ودمرت المستشفيات، والمؤسسات الثقافية، والعلمية، والجسور، والسدود.. وتدفع المنطقة إلى الهاوية.
يجب ان نثمن ونشيد بكثير من التقدير، الأصوات التي أخلصت لأمتها، والذين رفضوا ان يكونوا في خندق واحد مع الغزاة الأعداء.. تحت أي مبرر.
|