ما ان تصل المرء فاتورة تلفون أو فاتورة ماء أو كهرباء تتجاوز قيمتها ما يتوقعه بشكل كبير إلا ويركض لأقرب جريدة باكياً شاكياً لاطماً. يطالب بسرعة نشرها. اما الجريدة فتختبص. يقطع رئيس التحرير اجازته إذا كان في اجازة ثم يأمر على الفور بتشكيل لجنة من مهنيين ومختصين وقضاة ولاعبي كورة ومحاربين قدماء. وفي صباح اليوم التالي تنشر على صفحتين مع تنويه بارز في الصفحة الأولى يطالب المسؤولين في الجهة المعنية وعلى رأسهم معالي الوزير أو رئيس الشركة سرعة الإفادة. ثم يأتي كاتب ويدبج مقالة ضخمة مستخدما فيها كل طاقات اللغة العربية البلاغية فاضحاً فيها تخلفنا وتخلف أمهاتنا وتخلف أبو جد البلد كلها ويأخذ بضرب الأمثلة من لندن الى باريس ومن سيؤل الى لاقوس متسائلاً أي إدارة هذه، مؤكداً على عظمة الادارة في كل بلدان العالم بما في ذلك الادارة في كمبوديا.
فيرد عليه في اليوم التالي كاتب آخر ليشكره اولاً على طرح هذا الموضوع الخطير ثم يسوق بدوره امثلة جديدة من بلدان اخرى فاتت على الكاتب الاول. ولا ينسى طبعاً ان يتذكر عندما كان يدرس في كليفورنيا، كيف كانت تصله الفواتير بالسنت. خاصة عندما انتقل من سيكرمونتو الى جامعة في نيوانغلد كيف وصلته الفاتورة قبل ان يصل الى هناك. وبعد ان ينتهي من استعراض تنقلاته عبر الولايات المتحدة ايام الشباب يتساءل بحرقة وألم لماذا لا تنشأ محكمة خاصة بالفواتير كما هو موجود في كل بلاد العالم المتحضر. فيعود مرة اخرى الى سيرته في الولايات المتحدة فيعدد مزايا المحاكم المتخصصة. وأفضل مثال ما حصل لصديقته كاثي «الله يذكرها بالخير» عندما استعانت به أمام محكمة جنوب كليفورنيا. ويختم مقاله بالتساؤلات التي لا تنقطع متى تتوقف هذه الفوضى الضاربة أطنابها في عالم الادارية في بلادنا؟ ومن هو المسؤول عن هذا التسيب؟ وإلى متى يصبح المواطن البريء ضحية لهذه الرعونة الادارية؟
اما الادارة التي حدثت منها تلك الغلطة المروعة فتتحول الى خلية نحل لدراسة أبعاد هذه الفاتورة. يطلب الوزير من الوكيل سرعة الإفادة ثم يطلب الوكيل من المدير العام عاجل الإفادة ثم يطلب هذا من هذا من هذا حتى تصل الى اصغر موظف. وقبل ان يصاغ الرد النهائي يعرض على سعادة رئيس القسم ثم على سعادة المدير العام ثم على سعادة وكيل الوزارة وعندما يمر على كل هذه السعادات ينتقل الى معاليه ليطلع عليه شخصياً ثم يعود مرة اخرى لينقح عبر تلك السلسلة الذهبية حتى يصبح وثيقة كوثيقة الانضمام للاتحاد الاوربي قبل ان يرسل للجريدة الغراء.
والدعوى كلها خطأ كمبيوتر يصحح بضربة زر.
فاكس 4702164
|