أكاد لا أصدق تلك المشاهد التي تناوبت الفضائيات في عرضها لنا عن سقوط نظام صدام حسين، وما أظهرته تلك الصور من ممارسات عبثية ومن سلوك مشين قام بها شعب العراق وكأنه يفتقر إلى الحس الوطني والشعور بالمسؤولية نحو دور وطني فاعل كان ينبغي أن يقوم به للمحافظة على بلاده بعد سقوط هذا النظام الفاسد، بدلاً من مساعدة «الغازي» على تدمير ما تبقى من منجزات وتاريخ وحضارة لهذا الوطن الغالي والعزيز..
***
يا لهولنا، شعب يتحول فجأة إلى مجموعة من اللصوص والنشالين..
يملأه الحقد والكراهية لكل ما هو جميل..
فتمتد الأيدي إلى المتاحف للعبث بكل ما هو نفيس فيها..
وإلى الكنوز الغالية في المكتبات لإحراق كل ما يرمز ويؤرِّخ للعراق الشقيق..
وإلى الجامعات لتدميرها وتفريغها من كل مقومات استمرارها..
***
هل نحن في حلمٍ مما رأيناه..؟
كيف نصدق أن شعباً يعبِّر عن فرحه بسقوط النظام باللجوء إلى تدمير كل ما تقع عليه يد أو تمر عليه عين من تراث أصيل يحكي عن تاريخ وحضارة العراق..
هل هذا هو شعب العراق الأصيل الذي رأيناه..؟
أم أنهم مجموعة من اللصوص وقد تقمصت شخصية هذا الشعب لتقوم نيابة عنه ودون رضاه بمثل هذا العمل المشين ثم تنسبه إلى أهلنا في العراق..؟
كيف نفسِّر احتفاء القوات الغازية بهذه المشاهد غير الحضارية وبتسهيل توثيقها من خلال تمكين وسائل الإعلام من تصويرها ونقلها مصورة إلى العالم..؟
***
تساؤلات قاتلة ومحبطة ومدمرة تديننا جميعاً ولا تستثني أحداً منا وتمسُّ كبرياء كل من ينتمي إلى العروبة والإسلام في الصميم..
ذلك أن من يتصرف بمثل هذا الذي رأيناه...
ومن يعتدي على أملاكه ويشوِّه تاريخه..
ومن يتناغم في توجهاته وسلوكه مع ما يتمنى ويخطط له عدوه..
من يغيب عن الوعي فلا يفكر بمستقبل أرضه وتاريخه..
من يكون هذا حاله..
هو إنسان مُدمَّر ومهزوم ومحبط من الداخل..
ولا يستحق الحرية التي طالما مَنَّى نفسه بها وعاش حياته انتظاراً لها..
***
هل ما رأيناه حقيقة..؟
أم أنه شيء من الخيال..؟
أبواب تسرق..!
ودورات مياه تنهب محتوياتها..!
وما دون ذلك من حيث القيمة المادية لا يسلم من عبث الناشلين..
أي أن ما رأيناه لم تقتصر سرقته ونهبه على ما يرمز إلى حضارة هذا الشعب وتاريخه..
وإنما تدنى وتدنى ليصل إلى ما شاهدته أعيننا جميعاً من سرقات لأثاث ومواد بناء لا قيمة لها مادياً، وربما لو وجدت في دول فقيرة لما فكَّر مواطن معدمٌ في اقتنائها..
***
واعيباه..!
أن تظهر صورة الشعب العراقي الشقيق أمام الغرب بمثل ما عرض في الفضائيات، حتى وإن فسرته القوات الغازية بأنه تعبير طبيعي عن تمتع الشعب بالحرية التي كان تواقاً لها..
لقد فرحنا أي والله بسقوط نظام صدام..
مثلما آلمنا كثيراً احتلال القوات الأمريكية البريطانية لهذا البلد الشقيق..
لكن كيف لنا أن نفرح بإحراق المكتبة الوطنية..
وبإخفاء كل المخطوطات التي تؤرِّخ للعراق..؟
وأن يغيب ألمنا أمام مشاهد النهب للقطع الفنية النادرة في متحفي بغداد والموصل..؟
وأن نقف غير مبالين أو مكترثين أمام تدمير المواقع الأثرية والمؤسسات التاريخية والجامعات ..؟
وما هو موقفنا أمام ما تناقلته وسائل الإعلام العالمية من ظهور بعض هذه المقتنيات للبيع في باريس وطهران وربما في عواصم أخرى..؟
***
أكاد أشك أن شعب العراق هو مصدر هذا العبث المجنون أو أنه من قام به ..
فهذه التصرفات المشينة لا تصدر عن مواطن سوي، ومن الظلم أن تنسب إليه..
وعلينا إذاً أن نفتش عن الفاعل الحقيقي بين هؤلاء الذين يحاولون تشويه تاريخ العراق وشعب العراق..
|