الهدف المعلن لمنظمة التجارة العالمية هو العمل على تحرير حركة السلع والخدمات عبر الحدود من القيود وذلك من اجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة للعالم، وزيادة المكاسب المتحققة من التجارة الدولية. ووجود هذا الهدف المعلن لا يلغ وجود أهداف أخرى غير معلنة للأعضاء الكبار المسيطرين في المنظمة والتي ربما تكون هي المحرك الأساسي للقرارات التي تتخذها. وتتبلور الأهداف غير المعلنة للأعضاء الكبار في رغبتهم في تسخير المنظمة لجعلها أداة يتم بواسطتها توفير المواد الخام والأولية بشكل مستقر وبأسعار متدنية، وإيجاد أسواق هائلة لمنتجاتهم سواء من حيث القدرة الشرائية أو عدد السكان، وهم بذلك يعتبرون امتداداً طبيعياً للفكر الاستعماري ومن قبله الإقطاعي الذي كان يحرك الدول الاستعمارية في القرون السابقة. فعلى سبيل المثال كانت الهند إبان الإحتلال البريطاني لها مصدرا هاما للمواد الخام والأولية التي نحتاج إليها الصناعات البريطانية، وفي نفس الوقت كانت سوقا كبيرة للمنتجات البريطانية التي تستخدم مدخلات إنتاج هندية ولازالت العديد من المستعمرات السابقة ترتبط بروابط اقتصادية قوية مع الدول الاستعمارية.
ويرى البعض أن أهداف الدول الاستعمارية لم تتغير وإنما التي تغيرت هي الوسائل والأدوات فقط. وبناء على هذا فإن الأهداف الحقيقية غير المعلنة لمنظمة التجارة العالمية هي نفسها للأهداف السائدة أيام الاستعمار الصريح المتمثلة في ضمان توفير ما تحتاجه الدول المهيمنة على المنظمة من مواد أولية وخام وبأسعار رخيصة وضمان إنسيابها بدون عوائق، بالإضافة الى توفير أسواق مناسبة لتصريف منتجاتها. وتحقيق هذا الهدف يحقق هدفا آخر هو تكريس تبعية الدول النامية للدول المتقدمة صناعياً وربط اقتصادات الأولى باقتصادات الثانية. ذلك أن فتح الأسواق بالشكل الذي تدعو إليه المنظمة يعيق إلى حد كبير قيام صناعات متطورة مستقلة في الدول النامية، ويفقدها كثيرا من أدوات التحكم في المتغيرات الاقتصادية المحلية بل وينقلها إلى غرف صنع القرارات في الدول المتقدمة صناعياً.
وإذا كان تحقيق هذه الأهداف يتم في السابق عن طريق الاستعمار المباشر، فإن ذلك لا يمنع من وجود أدوات اكثر ملاءمة لطبيعة المرحلة التي يمر بها العالم فكانت منظمة التجارة العالمية والتي تأخر إنشاؤها نصف قرن بسبب المعارضة الأمريكية. ووجود المنظمة لا يمنع ايضا من الرجوع الى الأسلوب القديم - بصفة دائمة أو في حالات معينة ولكن بعد إجراء التعديلات المناسبة والأسلوب الجديد لا يضمن تحقيق الأهداف السابقة فقط وانما يحقق هدفا لا يقل أهمية عنها يتمثل في السيطرة على المادة الخام والتي تعتبر عصب التطور الاقتصادي والصناعي المعاصر ومن يسيطر عليها يستطيع ان يسيطر على اقتصادات جميع دول العالم حتى الكبرى منها. والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل اكتشاف بدائل لتحقيق أهداف الدول الاستعمارية أكثر كفاءة من منظمة التجارة العالمية هو ما جدوى استمرارها خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتقيد بمعاييرها واشتراطاتها في اسناد عقود إعادة الإعمار في العراق؟. ويمكن القول بأن ما يثار حول المظلة السياسية أو القبعة السياسية للعالم الأمم المتحدة ينطبق على منظمة التجارة العالمية.
*قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الامام محمد بن سعود
|