تطرقت في الأسبوع الماضي الى كتاب تاريخ الدولة العثمانية تاريخ وحضارة والذي صدر عن مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية باستانبول «إرسيكا» وفي عام 1999م صدر بترجمته العربية.
والكتاب عبارة عن مجلدين يتناولان تاريخ دولة بني عثمان وكذلك حضارتهم، أي انه كتاب شمولي حاول فيه معدوه رصد أي جانب خفي للدولة العثمانية من الجانب التاريخي والحضاري.
واشتمل الجزء الأول أو المجلد الأول من الكتاب على ستة أبواب، اختص الباب الأول بالتاريخ السياسي للدولة العثمانية واحتوى على فصلين نوقش فيهما التاريخ السياسي للعثمانيين منذ مولد امارتهم وتطور هذه الامارة الى امبراطورية، ثم بداية النهاية الطويلة.. ويعني انهيار الدولة، الذي مهدت له عوامل متعددة على فترة زمنية طويلة.
أما الباب الثاني فجاء تحت عنوان «نظم الدولة العثمانية» واشتمل على أربعة فصول، ويلاحظ طول هذا الباب مقارنة بغيره، غير انه يستحق ذلك لأنه عالج قضية حيوية اعتنى بها العثمانيون وتفردوا بها على مدار تاريخهم بالتميز وهي التنظيمات التي تعد من أشد التنظيمات دقة وتعدداً وتنوعاً وذلك بسبب اتساع الدولة وتشعب مسؤولياتها الخاصة والعامة.
وجاء الباب الثالث بعنوان النظم الادارية في عهد التنظيمات الخيرية واشتمل على فصلين نوقش فيهما الهياكل الادارية في عهد التنظيمات وفق قوانين آل عثمان، واختص الفصل الثاني بالتنظيمات المتأخرة التي هبت عليها رياح التغير والتطوير بالافصاح عن التجربة الأوروبية.
أما الباب الرابع فاختص بالنظم العسكرية العثمانية ووزع على ثلاثة فصول، والقارىء لهذا الباب بفصوله يقف على قدرة العثمانيين الفائقة في تجهيز قواتهم البرية والتي بها استطاعوا التوسع في قارات ثلاث مستندين على طبيعتهم العسكرية الصارمة ولذلك نجحوا في ترسيخ مفهوم القوة العسكرية للدولة «ماذا تعني، وماذا تشتمل، وكيف تتطور، وكيف تحقق ولاءً دائماً». كما ناقش الفصل الثاني القوة البحرية والتي هي الأخرى تفوق بها العثمانيون على الرغم من ضعف امكاناتهم في فترة الانشاء وحذرهم في التعامل مع هذه القوة إلا أنهم حققوا في مجالها سبقاً طيباً.
أما الباب الخامس فاختص بالحديث عن النظم القانونية في الدولة العثمانية واشتمل على سبعة فصول، وركز الباب السادس وهو ما قبل الأخير بالحديث عن المجتمع العثماني واشتمل على خمسة فصول، أما الباب السابع وهو الأخير فاختص بالبنية الاقتصادية في الدولة العثمانية واشتمل على خمسة فصول.
وأشير الى ان كل نقطة عالجها الكتاب عولجت بمنهج علمي مدروس، وبتحليل مقنع، وبآراء مفيدة، كما صيغ الكتاب بطريقة مشوقة ممتعة.
ومما اقتطفه من عبارات ما ورد في التاريخ السياسي للدولة العثمانية القول:«ومما يستدعي الانتباه جهود العثمانيين في سياسة الفتح التي جروا عليها إزاء الامارات الأناضولية، لاسيما محاولاتهم لاضفاء الشرعية عليها. فقد كانوا يكشفون - من ناحية - عن سمو التقاليد الغُزية وتفوق عشيرة قاي، ويسعون - من ناحية أخرى - لتطبيق المفهوم الاسلامي عن دار البغي وهذه النقطة الأخيرة بعينها قد شكلت النموذج على تمسكهم بالشريعة الاسلامية».
وفي ص219 ورد ما نصه:«على الرغم من ان الصبغة الأساسية لهذه الدولة هي الفتح والجهاد، إلا أنها استفادت دائما من الدبلوماسية لكي تحقق ذلك الهدف، إذ شعرت لأجل ذلك بضرورة التركيز على السلاح أي سلاح الحرب، حتى القرن الثامن عشر على وجه الخصوص، ثم استبدلته بعد ذلك بسلاح الدبلوماسية».
إن هذين النصين وغيرهما مما احتواه الكتاب يقدم لنا فكراً معاصراً ورؤية منصفة لتاريخ الدولة العثمانية التي ظلمت كثيراً.
ولنا حديث آخر عن هذا الكتاب في الأسبوع المقبل إن شاء الله.
|