بينما كان مجموعة من الجنود الأمريكيين يقومون بعملية تمشيط عادية في بعض المناطق البعيدة من بغداد، عثر أحدهم على عدة صناديق مقاومة للصدأ والحريق، وكانت في هذه الصناديق الوجبة الأولى من الدولارات التي وضعت للأيام السوداء، يوم يتوه القائد عن كرسيه وملاذه وجلاوذته، وقد استمرت جولات الجنود في وسط تلك المنطقة المهجورة، ليجدوا في عدة منازل شعبية مهملة ما مقداره 560 مليون دولار، عملات نقدية جديدة، ومصفوفة بعناية، في عدة غرف، وعدة صناديق، وقد راود الشيطان أحد الجنود الأمريكيين، لكي يجري مكالمة مع خطيبته، ليخبرها أنه في لحظات ارتفع من جندي بسيط، إلى واحد من أصحاب الملايين!!
أما القصور الرئاسية التي أصبحت خالية الآن، فيكفي أن واحداً منها فقط ضم«145» غرفة نوم و«64» حماما، و«6» مراقص وعدد من صالات العرض السينمائي والرياضي، وهناك ملاعب كرة قدم ومسابح متعددة، وحدائق عامة، وأخرى للحيوانات الشرسة والأليفة، وقد تخلص جنود المارينز من عنزة مسكينة، بإطعامها فوراً للأسود والنمور الجائعة، وكأنهم دون أن يشعروا، يطبقون نظرية صدام، في أن يلتهم الغني، الفقير، والقوي الضعيف، دون رحمة أو شفقة!
هذا القصر الفاره لا يسكنه صدام، أو أنه لا ينام فيه، لأن هناك العديد من القصور الصغيرة المخصصة لنوم صدام، وما هو موجود لصدام موجود لابنه عدي، هذا الذي يسكن في قصر فيه كل ما يخطر على بال بشر، بما في ذلك مزرعة، على غرار مزرعة بيير كاردان، كل منتجاتها، خالية من المخصبات، أو المواد الكيمائية، وهناك مزرعة دواجن، مع ثلاجة ضخمة يجمد فيها دجاج المزرعة، وقد تلقى الجنود الأمريكيون، الذين غزوها وجبة دجاج ساخنة، بعد أسابيع، أو أيام، لم تدخل بطونهم غير الوجبات.. المعلبة! كل هذا الترف، أو البذخ، يجعلنا ننظر بعين راضية، لبعض المساكين، الذين اقتحموا مستودعات الأرز والسكر والزيت والملابس، لأخذ ما يحتاجونه منها، ولذلك فإن الذين ضخموا، من الحوادث الفردية أو المنظمة، للنهب والحرق، في العراق عليهم تذكر عدة أمور، منها ان جميع الحكومات الدكتاتورية سجنت شعوبها داخل أنبوبة محكمة الإغلاق، أشبه بأنابيب الغاز، وحالما تنفجر هذه الأنبوبة، بزوال النظام، سواء بفعل غزو أو تدخل خارجي، كما هو حال العراق وأفغانستان وكوسوفا، أو داخلي كما هو في حالة روسيا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، حالما تتم هذه الحركة، فإن ما يأتي بعدها، من مشاكل اجتماعية، لا أحد يتنبأ بحجمها، ففي روسيا الآن عصابات منظمة، تسوق وتصفي، وتهيمن على شركات ومؤسسات، وهناك أثرياء نبتوا فجأة، وأصبحوا بفعل أموالهم، التي نهبوها بطريقة أو أخرى، يحكمون الآن في مجالات اقتصادية وسياسية وثقافية.. ولو لم تحتو ألمانيا الغربية جارتها ألمانيا الشرقية، لأصبحت مثل أخواتها، من الدول التي كانت تعرف سابقاً بالشيوعية.. علماء الاجتماع ينظرون إلى ما حصل في العراق من هذه الزاوية، فخلف من ينهب مكيف فريون ويرحله على حمار أو من ينهب مزهرية فاخرة وهو حافي القدمين، أكثر من «35» عاماً من الحرمان، الحرمان من الكلام الحر المتدفق، ومن الأكل، أو المخدع النظيف، ومكيف الهواء الذي ينعم به جاره الخليجي الذي يقل ما لديه من ثروات، عما تحتويه أرض العراق، ومع ذلك فإنه يعيش في ظروف لا تقارن بما هو موجود في العديد من الدول المعدومة الثروات؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا تغاضت القوات الغازية عن هذه الجرائم المنظمة أو العفوية، وبالذات لوزارتي الري والتجارة والمصارف، وبعض الجامعات والمعاهد والمستشفيات حتى وصل الحال إلى سرقة أسرة المرضى وتفريغ الصيدليات وغرف العلميات؟ ولم يقف الأمر هنا لكن النهب المنظم امتد حتى طال سجل العراق الحضاري والتاريخي والمعرفي، بتفريغ المكتبة الوطنية من محتوياتها من المخطوطات والكتب النادرة ونهب أندر المقتنيات الأثرية التي تضمها المتاحف العراقية، التي تحتوي على آلاف القطع التي تسجل لجميع المراحل التاريخية لأرض العراق..المال والطعام من الممكن تعويضهما ولكن من يعوض العراق عن ذاكرته، التي نهبت، وهربت تحت عين وبصر القوات الغازية، وهو ما يطرح عشرات الأسئلة المريبة حول مهمة أو مهمات هذه القوات! خاصة إذا علمنا أن أفراد هذه القوات لم يضعوا أيديهم، أو يدخلوا حتى الان، مباني ينطلق، أم يحاك فيها، كل ما يتعرض له المواطن العراقي من قمع وتهميش، فما تزال قيادات أجهزة الاستخبارات الستة فارغة، ولم يقم أي مسؤول من هذه القوات، بزيارتها للبحث في سجلاتها الكثيرة، أو للحديث مع سجناء سابقين يزورون الان اماكن اعتقالهم السابقة، هل هذا ناتج عن الكسل، أو عن سابق تصميم؟ ويزيد«روبرت فيسك» عن تساؤلاته وهل هناك احتمال ان يكون الوحوش الذين يشرفون على تعذيب المساجين العراقيين يعملون الان لصالح الأمريكيين؟.. حدث هذا في الوقت الذي طوقت بعض الوزارات ومن ضمنها وزارة الداخلية والنفط، وهو ما يزيد من حجم التساؤلات، حول الأهداف المعلنة، وغير المعلنة، للغزو الأنجلو أمريكي للعراق!!
فاكس: 4533173
|