تؤثر عادات وتقاليد المجتمعات في مورثاتها، ولعل من أهم هذه العادات هي التزاوج فيما بين الأقارب الذي يكون من نتائجه السلبية ظهور أجيال مصابة بأمراض وراثية، ومن أهم هذه الأمراض الوراثية أمراض الدم وخصوصاً مرض فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، وهذا المرض الوراثي ناتج عن عدم قدرة مادة الهيموغلوبين على القيام بوظيفتها مما يسبب فقر دم مزمن لدى الأطفال في مراحل عمرهم المبكرة، ويؤدي هذا المرض إلى تضخم الطحال نتيجة لترسب الحديد الزائد على الكبد والقلب مما يستوجب استئصاله، اضافة إلى حدوث مضاعفات عديدة ومن أخطرها حدوث جلطة دماغية.
وتعتبر الأمراض الوراثية من الأمراض المنتشرة في مجتمعنا، إذ يقدر المختصون بأن نسبة المصابين تصل إلى «5 ،7%» من تعداد السكان، ومما لا شك فيه أن مثل هذه النسبة تشكل مؤشراً سلبياً على الأوضاع الصحية بشكل عام وكذلك الأوضاع الاقتصادية بشكل خاص، حيث تبلغ تكلفة علاج هؤلاء المرضى نحو «3 ،1» مليار ريال.
ولعل برنامج الفحص الطبي ما قبل الزواج انطلق تباعاً لهذه المؤشرات السلبية، اضافة إلى ما يحمله من دلالات حضارية كثيرة وهي تفادي بل ومنع العديد من هذه الأمراض التي تهدد أطفالنا الذين هم أجيال الغد.. وتأتي أهمية هذا الاجراء الصحي في مجتمعاتنا الشرقية لما له من عوامل ايجابية في تجنيب الكثير من الأسر المشاكل التي قد تنشأ ما بعد الزواج نتيجة للأمراض الوراثية والتي يقوم هذا الفحص باكتشافها من البداية، اضافة إلى ما يقدمه هذا الفحص من رؤية مبكرة لبناء مجتمع صحي وسليم، كما أنه توجه ايجابياً لمجتمعاتنا نحو بناء علاقة أسرية قوية البنية وبالتأكيد ستكون ثمارها أطفالاً أصحاء بلا معوقات أو أمراض من شأنها الذهاب بالسعادة الزوجية.
ونعتقد أن علينا مسؤولية كبيرة تجاه تدعيم فكرة الفحص الطبي ما قبل الزواج والعمل على انجاحها، وذلك بمساهمة كافة القطاعات الطبية العامة والخاصة من خلال شرح أهداف هذا البرنامج وتوضيح ايجابياته لأفراد مجتمعاتنا، والتحرك في كافة المحاور والاستفادة من جميع الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية لتوعية وتثقيف الشباب والفتيات الذين هم في عمر الزواج بأهمية اجراء هذا الفحص الطبي، إذ أصبح من المعروف بأن الاكتشاف المبكر للأمراض هو أقصر الطرق لعلاجها والشفاء منها بإذن الله.
كما نؤكد على أهمية تعميم هذا الفحص بين أبناء المجتمع كأحد العوامل الوقائية في مكافحة الاعاقة والأمراض الوراثية تحديداً، وقد لقيت هذه الفكرة قبولاً كبيراً في كثير من دول العالم بعد أن عكست هذه التجربة ايجابياتها الواضحة على الأسرة والمجتمع في هذه الدول.
ومما لا شك فيه أن للأطباء دوراً إيجابياً وهاماً لدرجة كبيرة في ترسيخ هذا المفهوم لدى مرضاهم والمراجعين لعياداتهم من الشباب، والعمل على تشجيعهم للاقبال على اجراء هذا الفحص الطبي.
|