Tuesday 22nd april,2003 11163العدد الثلاثاء 20 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
واقعية الآراء في الأزمة
عبدالرحمن صالح العشماوي

قال لي صاحبي:إِذا كنا نقرأ ونسمع ونشاهد كلَّ يومٍ من يقدِّم آراءً متشدِّدةً في طريقة التعامل مع الأزمة الرَّاهنة، ومناقشةً عاطفيةً متأجِّجة للأوضاع التي يعيشها عالمنا الإسلامي في هذه المرحلة القاسية التي رأينا فيها مدن العراق تعُجُّ بالجنود الذين يمثِّلون قوَّة ماديةً متفوِّقة في تقنيتها وعُدَّتها وعتادها ومعلوماتها وإِعلامها وإعداد رجالها، وإذا كنَّا نَرَى هذا التدفُّق الإعلامي الصاخب لوسائل إعلامنا العربية في عرض وتحليل هذه الأزمة، فمن أين لنا مع هذا الزَّخْم العاطفي بتفكيرٍ سليمٍ هادئ، ومشاورةٍ واعية، وتأصيل شرعي وسياسيّ يمكن أنْ نعالج به المشكلة معالجةً واعيةً تشمل معالجة الواقع المعاش، مع التخطيط للمستقبل المنتظر؟؟.
كيف يمكن أن نجد لأنفسنا مكاناً هادئاً نفكِّر فيه تفكيراً جادَّاً منعتقاً من سيطرة عواطفنا التي أجَّجها هذا الوضع الجديد في العالم القائم على خرق القوانين الدولية، واستخدام القوة العسكرية لتحقيق المآرب والأهداف؟؟.
انكم معشر الكتاب والمفكرين والمحلّلين السياسيين تتعاملون حتى هذه اللحظة مع الأزمة تعاملاً عاطفياً، يظهر فيه بجلاءٍ الإحساس بالخطر، والشعور بالألم العميق لهذا الاختراق الغربي لقوانين وأنظمة هيئة الأمم ومجلس الأمن، هذا الاختراق الذي يحدث على أيدي المتعصِّبين من أتباع الديانتين النصرانية واليهودية، ولاشك أنَّ هذا الاختراق يُؤلم ويوقد جمر الحسرة في القلب، ويؤجج عاطفة الاستنكار عندنا نحن المسلمين المغلوبين على أمرنا المقيَّدين بضعفنا وخلافاتنا وشَتات أمتنا، وأنَّ ذلك جديرٌ بأن يشعل نيران عواطفنا، ويُلهب نيران الغضب في قلوبنا، وكيف لا يكون ذلك، ونحن نرى أنفسنا في مواقع المنتظرين لما يصنع بهم الآخرون، كلُّ هذا صحيحٌ ومقبول من حيث النظر إلى خطورة المرحلة وصعوبة الموقف، وعَتامة المستقبل الذي تحجب سحبُ الدُّخان التي تملأ الآفاق رؤيتَنا له.
ولكنَّ الأمر الخطير في هذه المرحلة هو ان نستسلم نحن المسلمين لهذا التوقُّد العاطفي، وندور في فلكه، ونعيش في معمعته دون أن نقف وقفةً جادَّة نحاول فيها أنْ نَهْدَأ ونهدأ حتى يتسنَّى لنا التفكير السليم الذي يتعامل مع واقعٍ مُعاش.
إنكم يا أصحاب الأقلام مطالبون في هذه المرحلة بالطَّرح الموضوعي للأزمة، حتى يمكن أنْ نرى ونسمع ونقرأ آراءً ناضجةً تجعلنا قادرين على التعامُل الواعي مع الأحداث التي يسابق بعضها بعضاً. ثم سكت صاحبي قائلاً: هل فهمتَ ما أعني؟؟، قلت له: نعم فهمتُه لأنني أَضعه نُصْب عينيَّ كلَّ يوم، وقد حاولت في أكثر من مقالة أنْ أذكِّر الأمة ببعض مواقف التاريخ المشابهة التي لابد لنا من الاطِّلاع عليها بتأمُّل وعمقٍ وتفكير للربط بينها وبين ما يشبهها من المواقف المعاصرة.
ومع ذلك كلِّه فإنني أؤكد ما قاله صاحبي، وأدعو أصحاب الرأي والفكر والمشورة أن يراجعوا المسائل برويِّة وتفكير هادىء وبصيرة.
ولابد أن يتمَّ ذلك وفق أسسٍ ثابتة نحن متفقون عليها سَلَفاً، ولكنَّنا نذكِّر بها بعض أصحاب الرأي من أبناء أمتنا الذين يميتون عواطفهم الإسلامية، ويتعاملون مع الأزمة برؤيةٍ ربَّما تكون سبباً في تعميقها.
إنَّ أهمَّ أساسٍ ننطلق منه هو تجديد نيَّاتنا دائماً بالإخلاص لله عز وجلَّ، والإيمان بشرعه ورسله، واليقين بأنَّ ما شرعه لخلقه هو الحلُّ الأوحد لقضايا البشر ومشكلاتهم.
ثم إننا بعد ذلك مطالبون بالنظر إلى الواقع المعاش بموضوعية حتى نطرح الحلول المناسبة وإن كانت أقلَّ من طموحاتنا بكثير لأنَّ التعامل مع الواقع انطلاقاً من أساس ثابت، وبرؤيةٍ شاملة يمكن أن يعيننا على صدِّ كثيرٍ من الشرِّ عنَّا، وعن أمتنا وعن بلادنا، ولاشك عندي في أنَّ الوعيَ الشرعيَ مهمٌّ جداً لتحقيق الموضوعية في التعامل مع واقع الأحداث اليوم، إنَّ أيَّة محاولةٍ منا للتعامل مع الأحداث الرَّاهنة دون الاستضاءَة بشرعنا الحكيم، استضاءَةً علميَّة فقهيَّة مستوعبة لجوانب الأزمة، مدركةً لواقع الأمَّة، عالمةً بحجم قوَّة الأعداء، وشدَّة مكرهم، ستكون محاولة فاشلةً، أو مشوَّشةً تقود إلى الفشل.
إنَّ هناك منافذ كثيرة لدى الغرب، ولدى عقلائه ما تزال مفتوحةً أمامنا يمكن أن نرى منها مصادر ضوءٍ تحول بين المتعصِّبين منهم وبين هذا الاختراق الخطير لقوانين العالم وأنظمته.
وهنا يمكن أن تتحقق لنا خطوات علميَّة نافعة وفق سنن الله الكونية التي يتحقق بها للعاملين الجادّين ما لا يتحقق للغافلين المتكاسلين.
نعم من حقنا أن نعبِّر عن مشاعرنا وعواطفنا تجاه ما نرى من اعتداءٍ على حقوق المسلمين، وبلاد المسلمين ومن حقنا أيضاً ، بل من حقِّ أمتنا علينا أن نتعامل مع واقع الأحداث بشفافيَّة، وصلاح نيَّة، وموضوعيَّة نحقِّق بها ما يمكن في هذه المرحلة، بعيداً عن الغرق في الخيالات التي تبعدنا عن واقعنا.
وفي قرآننا، وسنة نبيّنا صلى الله عليه وسلم، وفي السيرة النبوية وسيرة عظماء التاريخ من الدروس والعبر ما يمكن أَنْ يفيدنا في أزمتنا الراهنة فائدةً عظيمة.
إشارة


أَنَّى يُنيلك ما ترجوه من أملٍ
وكيف يُرضيك مَنْ يستبطن الغَضَب؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved