يتفق كثير من المحللين على ان نظام العمل والعمال الذي يطبق في المملكة منذ عام 1389هـ، له تأثير سلبي كبير على نجاح قضية السعودة.. وسوف يستمر هذا التأثير السلبي إلى ان يصدر نظام جديد يتمشى مع واقع أحوالنا الاقتصادية في هذا الزمان.
ومن العجيب حقاً ان تتردد الجهات الحكومية المعنية باستصدار نظام جديد كل هذا التردد.. وان يمر وقت طويل وثمين يزيد على ثماني سنوات في إعادة دراسة هذا النظام.. وإن أخشى ما أخشاه انه بعد كل هذا الوقت وكل هذا التمحيص والمراجعة من دائرة إلى دائرة ومن لجنة إلى لجنة.. ثم يقدم لنا نظام قاصر يجعلنا نترحم على النظام القديم.
إن المطلوب نظام يصاغ بلغة واضحة يساعد على حفظ حقوق طرفي التعاقد «العامل وصاحب العمل» بطريقة عادلة دون غبن على أي منهم أو اجحاف بحقوقهم.. نظام العمل لابد ان يترك لطرفي التعاقد مساحة كافية للتفاهم والاتفاق بطرق ووسائل تجعل منهما شريكين يحتاج كل منهما الآخر لتحقيق هدف يخدمهما معاً.
ونظام العمل لابد وان يأخذ بعين الاعتبار اختلاف درجات الوظائف ومسئولياتها.. فهو يعني العامل البسيط الذي لا يتعدى راتبه خمسمائة ريال والمدير الذي قد يزيد راتبه على ربع مليون ريال شهرياً، حيث لهذا تأثير مباشر على فترة التجربة وقيمة مكافأة نهاية الخدمة.
من هنا فإن فترة التجربة لا يمكن ان تستمر على ما هي عليه في النظام الحالي.. ذلك ان ثلاثة أشهر وان كانت كافية جداً بالنسبة للعامل البسيط إلا انها بكل تأكيد لا تكفي لتقييم المدير أو الموظف الكبير الذي لا يمكن الحكم على صلاحيته للوظيفة إلا بعد النظر إلى نتائج عمله التي قد لا تظهر إلا بعد عام أو يزيد.. فهل يتم ترك تحديد مدة فترة التجربة لاتفاق طرفي التعاقد وخاصة بالنسبة للوظائف الكبيرة. كأن ينص في النظام على كونها ثلاثة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة أطول.
ومطلوب ان يعالج نظام العمل مسألة تعويضات نهاية الخدمة بشكل عملي وعادل ومقبول وبحيث لا يغبن العامل ولا يضار صاحب العمل.. ولابد ان يكون لتعويض نهاية الخدمة سقف محدد لا يتم تجاوزه.. الأمر الذي يتيح لصاحب العمل احتساب هذه التكلفة بشكل دقيق في دراساته وحساباته المستقبلية ويشجعه على الاحتفاظ بموظفيه أطول مدة ممكنة. ولابد ان يختلف السقف «الحد الأعلى للمكافأة» تبعاً لراتب الوظيفة.. فبالنسبة للعامل أو الموظف البسيط يمكن ان يحدد السقف بما مجموعه رواتب ستة أشهر، أما من كان راتبه عاليا من الموظفين فيكتفي براتب شهرين مثلاً.
والنقطة الثالثة التي لابد ان يعالجها نظام العمل الجديد هي حق صاحب العمل في التعيين وفي الفصل سواء بسواء.. إضافة إلى اعتماد سن التقاعد أسوة بنظام الخدمة العسكرية.
إن ما يجب التأكيد عليه هو انه متى ما توفرت الوظيفة فإن توظيف السعودي الكفؤ المناسب لها واجب لا يجوز الجدال فيه، ولكن مسألة الحكم على كفاءة الموظف ومناسبته للوظيفة هو حق مكتسب لصاحب العمل.
إن هذه النقاط الثلاث هي مرتكز الخلاف بين أصحاب العمل والموظفين، ومتى صدر نظام العمل وعالجها بشكل سليم فإننا نكون بذلك قضينا على كثير من المشاكل.. كما نكون قد شجعنا أصحاب الأعمال على توظيف السعوديين والسعوديات دون ان يكونوا تحت هاجس الرعب والخوف من تكاليفهم الباهظة مستقبلاً واستحالة فصلهم في حالة عدم مناسبتهم.. وفي ذات الوقت يؤدي كل ذلك إلى انضباط الموظف السعودي وزيادة حرصه على العمل.
بقي ان نقول إن المشرعين لابد ان ينتبهوا إلى اختلاف الأوضاع عما كانت عليه في السابق، ولا يمكن ان تطبق أنظمة لا تراعي حالة الاقتصاد العامة ولا تستشرف المستقبل.. وبالتالي فإن ارهاق أصحاب الأعمال في سبيل تحقيق أهداف آنية قد يجهض الاقتصاد ككل ويكون سبباً في كوارث لا سمح الله.
وإنني أؤكد على أهمية إشراك بعض رجال الأعمال في صياغة النظام الجديد وخصوصاً أصحاب الفكر والخبرة من الذين لهم تجارب طويلة في توظيف أعداد كبيرة من الموظفين سعوديين وغير سعوديين.
والله ولي التوفيق..
|