عاش المواطن السعودي فترات رفاهية اقتصادية هائلة كنتيجة طبيعية للزيادة الكبيرة في الإيراد الحكومي الذي انعكس بصورة إيجابية على متوسط دخل الفرد وعلى مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السعودي.
ولعل من أهم فترات الرفاهية الاقتصادية التي نعم بها المجتمع السعودي تلك الفترة التي أعقبت الارتفاع الكبير في اسعار النفط خلال فترة السبعينيات وما صاحبها من ارتفاع كبير في معدلات الانفاق الحكومي وبرامج المساعدات الحكومية الميسرة التي قدمت للمواطن لتحسين واقع ومستقبل حياته الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه ونتيجة للكثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية حدث تغير معاكس في اتجاه العديد من المتغيرات الاقتصادية التي أسهمت في حدوث انخفاض كبير في متوسط دخل الفرد السعودي ليصل إلى حوالي 6000 دولار أمريكي بعد أن كان حوالي 18000 دولار في بداية الثمانينيات وفي حدوث انخفاض كبير في الإيراد الحكومي وتناقص ملحوظ في معدلات الإنفاق الحكومي، وعلى الرغم من حدوث هذه التغيرات الهيكلية في النمط الاقتصادي السعودي، إلا أن نقص الثقافة الاقتصادية بشقيها الاستهلاكي والاستثماري لدى بعض المواطنين السعوديين قد ساهم وبشكل ملحوظ في بروز بعض الممارسات والتصرفات الاستهلاكية التي تتحرك في اتجاهات معاكسة لمعطيات الواقع الاقتصادي ومتغيراته الرئيسية، ولعل من أهم واخطر تلك الممارسات التي تصور النقص الكبير في الثقافة الاستهلاكية ما نشاهده على الساحة من تسابق بعض المواطنين للحصول على أرقام مميزة للوحات سياراتهم أو لأرقام تلفوناتهم الثابتة والجوالة مقابل مبالغ مالية ضخمة تكفي في بعض المجتمعات لبناء أكثر من مسجد أو لإتمام متطلبات الزواج وغيرها من مقتضيات الحياة الضرورية. وإذا كانت هذه الممارسات الخاطئة غريبة في حق الإنسان السوي بغض النظر من مستوى دخله، فإنها تكون كارثة استهلاكية في حق بعض المواطنين الذين يعانون في الأصل من مشاكل مالية وصعوبات تمويلية تحد من قدرتهم على تأمين متطلبات الحياة الضرورية، ففي حالات كثيرة نجد أن بعض الأسر قد وقعت فريسة للمباهاة الاجتماعية من خلال سعيها لتميز أبنائها وبناتها ليس في ميدان العلم والعمل ولكن في ميدان لوحات السيارات وأرقام الهواتف الجوالة ومقاصد السفر والرحلات الصيفية بغض النظر عن التبعات المالية لتلك التصرفات، ولعل ما يزيد من خطورة مثل تلك التصرفات أن تسعى بعض الأجهزة الحكومية والخاصة لاستغلال النقص الواضح في ثقافة بعض المواطنين لتسويق بضاعتها تحت عبارات التميز والمميزين وكأنها بذلك تقدم المكاسب المالية على مصلحة الوطن والمواطن، لقد كان من الأولى أن تقوم تلك الجهات بتوعية المواطن من خلال ابتعادها عن تشجيع تلك الممارسات الاستهلاكية الخاطئة ومن خلال منع الآخرين من استغلال منتجاتها لتحقيق مكاسب مالية دون مردود خدمي ملموس تقدمه للمواطن.
لقد كان من الأولى أن نعي بأن تربية وترشيد سلوك المواطن الاستهلاكي مقدم على المصالح الوقتية التي لا تخدم الأهداف المحددة للقطاع ولا تتوافق مع المصلحة الوطنية المتكاملة التي تقوم على أسس وطنية واضحة يأتي في مقدمتها البناء السلوكي والمسلكي للمواطن السعودي. فهل نسمع من تلك الأجهزة الحكومية قراراً يقضي بوقف استغلالها للسلوك الخاطىء والثقافة المحدودة لبعض المواطنين؟ نتمنى ونتطلع إلى ذلك..
|