* القاهرة مكتب الجزيرة عتمان انور شريف صالح طه محمد:
تعد التحديات الهائلة المفروضة في مرحلة ما بعد الحرب على العراق اشد صعوبة من حسم المعركة عسكريا ومن أبرز هذه التحديات كيفية الحفاظ على وحدة التراب العراقي ولملمة الجراح وتوحيد الفصائل والطوائف العراقية وعدم الانزلاق إلى نفق الاقتتال الداخلي.. ويؤكد المراقبون والمحللون السياسيون ان هذا لا يتأتى إلا بخروج القوات المحتلة وان يتولى الشعب العراقي اختيار حكومته بنفسه وهو ما أكد عليه ايضا مؤتمر دول الجوار الذي تبنته المملكة حيث اكد على ضرورة توحيد الشعب العراقي والحفاظ على سلامته فهل تستطيع الفصائل والطوائف العراقية بتعقيداتها وتشابكها الخروج من محنة الحرب للتعايش السلمي وتجنب الوقوع في حرب طائفية أو قبلية لا نهاية لها قد تزكيها مصالح القوات المحتلة؟
توحيد اللحمة العراقية
بداية يؤكد الدكتور السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان ان وحدة التراب العراقي يمكن ان يتحقق في ظل حكومة وطنية من كافة الشعب العراقي دون التخوف من المعارضة العراقية ويقول ان الفصائل العراقية المختلفة تعد قنابل عرضة للانفجار ضد امريكا في أية لحظة من اللحظات كما انها عرضة إلى ان تنقلب على أمريكا إذا تحالفت بعضها مع القوات الغازية وعليه فان القوات الأمريكية إذا حاولت اللعب بما يسمى الفسيفساء السياسية فانه لن يكون في صالحها مطلقا ولذلك يطالب بان تكون هذه الفسيفساء أداة ثراء للتعايش والتناغم خاصة في ظل وجود الاحتلال الأمريكي ومن المتوقع ان يستعيد الشعب العراقي قوته ووحدته وبالتالي فلن تكون العراق ولاية جديدة للادارة الأمريكية ولا يمكن ان تصبح بأى حال في يوم من الايام أداة للتفرقة وفق الرغبة الأمريكية وهذه الفصائل ستتحول في يوم ما إلى أداة قوية وتتحول ايضا إلى نموذج لوحدة التعايش الأوحد في العراق وعلى احزاب وفصائل العراق ان تدرك ان مستقبلها مرتبط في وحدتها وهذا مرتبط بتحرك المعارضة الشريفة في السعي إلى تعزيز الوحدة وان عليها مهمة ثقيلة وهي ألا تكون تحت غطاء الجنرال الأمريكي جارنر تاجر السلاح وان هذه الفصائل عانت من قبل من الاستبداد فعليها الا تبحث لها على قيصر جديد وان تنأى بنفسها عن ذلك مشددا على ضرورة بناء لحمة داخلية عراقية قوامها النضال السياسي العسكري لاخراج الاحتلال وخلق حالة من التعاون وعدم الوقوع في شرك التطبيع مع اسرائيل حيث تتقاطع مصالح اليمين المتطرف في الحكومة الأمريكية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ويرى د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات ان هناك بعض المعارضة العراقية رفضت العمل تحت الغطاء الأمريكي الذي سرعان ما كشفته وادركت خطورته خاصة وان التاريخ العراقي شاهد على ان العراقيين يرفضون دائما الاحتلال ويقاومون الغزاة ويقول ان المقاومة الحقيقة بدأت لهذا الاحتلال مع سقوط نظام صدام باعتباره نظاما مستبدا كان يقمع المعارضة ولذلك فانه ففي اليوم التالي لدخول القوات الأمريكية إلى بغداد ظهرت اول العمليات الاستشهادية يوم 10 ابريل.
ويضيف ان المعارضة العراقية التي عاشت الاحتلال الأمريكي للعراق ستكون احدى الفصائل الشعبية القوية المعارضة لهذا الوجود الأمريكي برغم الفارق التكنولوجي بين قوات الاحتلال والمقاومة الشعبية ولذلك بدأت هذه المقاومة في البداية انها عشوائية وانها ربما تستمر كذلك لفترة من الوقت حتى تقوم بتنظيم دفاعها.. ويشير إلى انه من الطبيعي ان تظهر هذه المقاومة بهذا الشكل العشوائي فتظهر في صورة مظاهرات ثم في شكل اصدار بيانات سياسية تندد بالمستعمر الأجنبي إلى ان تظهر اشكال اخرى للاحتجاج منها الاحتجاج بالاسلوب المسلح.
ويقول ان المواطن العراقي بطبيعته مقاوم للمحتل ومعادٍ له وان مسألة توحيد صفوف العراقيين ربما سيأخذ وقتا ولكنه في كل الاحوال ستأخذ شكلا من اشكال الوحدة العراقية وسيكون نتيجة ذلك ان امريكا دخلت بالفعل المستنقع العراقي بالرغم من زهو الانتصار الذي تعيشه وكل ذلك يفرض على العراقيين سرعة اقامة حكومة وطنية لا دخل فيها لأمريكا لأن العراقيين هم اقدر الناس ادراكا بأرضهم وشعبهم.
الخلافات العراقية
ومن جانبه يؤكد الدكتور حسن أبو طالب الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتجية بالاهرام ان العراقيين ينبغي ان يكونوا مؤهلين لادارة شؤونهم ولذلك عليهم ان يوحدوا صفوفهم وكشف قدراتهم الحقيقية بعيدا عن التنافسات والخلافات بين الفصائل والتيارات العراقية المختلفة.. وهنا يؤكد ان المشكلة تكمن في وجود خلافات بين كل فصيل وآخر فلا يمكن ان نتصور مثلا ان الأكراد انفسهم بلا خلافات أو حساسيات بصرف النظر عن الخلافات بين الحزبين الكبيرين فضلا عن الخلافات بين الشيعة انفسهم ولذلك أصبحت هذه الخلافات واضحة للعيان.
ويوضح د. أبو طالب ان الشعب العراقي هو شعب حضاري قادر في لحظات الازمات على ان يكون له دور يلعب فيه الحكماء دور التأثير وهنا يطالب بضرورة ان تتوصل التيارات العراقية المختلفة إلى الاسلوب الامثل الذي يرضي الجميع في ظل رفض الاحتلال من جانب هذه التيارات والذي ظهر في رفض الكثير منهم المشاركة في اجتماع الناصرية الذي حظي برعاية امريكية لأن العراقيين انفسهم يريدون ان تدار الامور بأيديهم وألا تكون هناك مظلة أمريكية.
وعن كيفية توحد التيارات العراقية في ظل هذه الظروف التي يلعب فيها الاحتلال دورا كبيرا في إثارة الخلافات والفتن ويؤكد انه في هذه الحالة لا بد ان يعود الملف العراقي إلى الأمم المتحدة ليكون العراقيون قادرين على تشكيل مستقبلهم السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري بعيدا عن التدخل الأمريكي وان يكون هذا الدور سريعا حتى لا يتم تعطيل قدرات الشعب العراقي ليكون عاملا ايجابيا وليس سلبيا وليعود إلى الصف العربي والشرعية الدولية.
ويقول ان المشكلة الاساسية التي واجهها العراقيون منذ 30 عاما انهم لم يكونوا مؤهلين لإدارة شؤونهم الداخلية في ظل النظام الاستبدادي الذي كانوا يواجهونه إلى ان اكتشفوا انهم امام قدرة حقيقية وهي انهم لا بد ان يديروا شؤونهم بعد سقوط النظام ولذلك عليهم الاسراع في تصفية الخلافات بينهم وان يبحثوا عن وحدتهم ضمانا لوحدة التراب العراقي ورفض تقسيمه بأي شكل من الاشكال.
دور استخبارات
اما الدكتور أحمد ثابت الاستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فيحذر من تجنيد افراد المعارضة العراقية للقوات الأمريكية خاصة ان المخابرات الأمريكية تعمل على تجنيد الجواسيس على نطاق واسع في العراق وخارجه بين العراقيين وعناصر المعارضة سواء التي تقبل العمل معهم أو المعارضة الوطنية التي ترفض ذلك، ويؤكد ان واشنطن تستهدف تدمير قدرات الشعب العراقي وموارده وليس كما تزعم بتوفير جو من الحرية والديمقراطية وهذا ما ظهر واضحا في سيطرتها على النفط في الجنوب والشمال وسماحها لأعمال السلب والنهب دون المساس بوزارة النفط.. ويشير إلى ان مقاومة الاحتلال تتطلب حصانة الجبهات الداخلية وتأمنيها ورفض التعاون مع الغزاة الامريكيين والبريطانيين وهذا ما اثبته العراقيون وان يدرك الامريكان ان الوطنية لا تقدر بمال وان سلاحهم هو الصمود والمقاومة وليس التعاون مع الغزاة.. ويشير إلى ان المخابرات الأمريكية تجاهلت توجيه المساعدات الانسانية للشعب العراقي في القرى والمدن بالجنوب العراقي وقامت بتوجيهها لشراء ولاء بعض العشائر والجواسيس في الجنوب وهذا الموضوع له خطورته على وحدة الاراضي العراقية والخوف من ان تمتد آثاره وردود فعله لأجيال مستقبلة ولن ينتهي حتى بعد ان وضعت الحرب اوزارها وهو ما يمكن ان يؤدي إلى صراعات داخلية دائمة بين فئات الشعب سواء بين الشيعة والسنة أو الطوائف الاخرى أو بين القبائل والعشائر وهو ما ينبغي للعراقيين أن يدركوا خطورته وهو ما يستدعي توحيد صفوفهم.
|