يجب أن لا يكون الحديث عن الأموات والقبور والتعازي ... الخ حديثا قابضاً للنفس.. فالموت حوض وكل الناس وارده.
بل أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله «أكثروا من ذكر هادم اللذات، الموت» وفي حديث آخر «استعدوا للموت فإنه يأتي فجأة»، ولا أريد هنا أن أكون واعظاً فأنا أحق بالوعظ من غيري.
***
حديثي اليوم موجه إلى سماحة الشيخ الجليل عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة.. ورئيس هيئة كبار علمائها.
وإلى سمو أمين مدينة الرياض الدكتور عبدالعزيز العياف. وبحكم أن الموضوع يتصل بالجانب الشرعي أولاً.. وبالجانب التنفيذي ثانياً..
فالموضوع اليوم يدور حول الزحام الشديد والتدافع عند تعزية أهل المتوفى أثناء دفنه في المقبرة حيث يكون الوصول إليهم في غاية المشقة، والنصب، والتعب لهم.. وللمعزين معاً.
والسبب في ذلك عدم وجود آلية تنظم وسيلة الوصول إليهم بسلاسة وانسيابية.. تقضي على الفوضوية التي يضج ويتعب منها الجميع.. حيث المعزون يأتون من كل حدب وصوب من أمام المعزَّى، وعن يمينه، وعن شماله.. بل ومن خلفه، أحياناً إذا لم يجد بعض المعزِّين - بكسر الزاي - من وسيلة لأداء هذا الواجب ثم الانصراف من هذا «الحشر المصغر».
ويذكر الجميع أن اخواننا السعوديين ممن تربوا في الزبير - جزاهم الله خيراً - قد عملوا ما يشبه المظلة الكبيرة لتقف فيها أهل المتوفى في صف منتظم ويمر عليهم المعزون واحداً واحداً.. دون تداخل ولا تزاحم.. ولا ضنك ولا مشقة على الطرفين. ولكن هذه المظلة الخيرية الزبيرية لم يطل مقامها في المقبرة الرئيسة بحي النسيم.. ربما غالها الحزن والأسى على المتوفين.. فلحقت بهم في برزخها الخاص بها..!!؟لماذا رحلت..؟! قيل أنها «بدعة»! وهل كل بدعة لا تمس العقيدة.. ولا الشريعة.. ولا قيم المجتمع يمكن أن تكون محرمة..؟
ماذا في تخفيف المشقة على المعزَّين - بفتح الزاي، والمعزِّين بكسرها؟
ماذا في هذا من المحذور الديني..؟
أليس الإسلام دين رفق ورأفة ورحمة..؟
ما هو مفهوم البدعة في ايجاد آلية تسهل وتختصر على أهل هذا المشهد.. ما يلاقونه من مشقة، وتعب، ونصب.. ساعة يؤدون هذه السنة.. ذات الأجر العظيم التي لا يودون أن يحرموا منها بسبب الزحام.
***
آمل من سماحة المفتي.. ومن جميع علمائنا.. أن يغلبوا دفع المشقة عن أخوانهم في هذا المكان.. وأن يسمحوا بايجاد «الآلية» التي تحقق هذا الهدف النبيل.. وأن يعيدوا النظر في هذه المسألة، التي يشتكي منها الطرفان: أهل الميت.. والمعزون.. ولقد رأيت بعض الأشخاص يكاد أن يسقط من الإعياء وكتم النفس.. وفي الأسبوع الماضي، ونحن نشيع أحد الراحلين إلى مثواه - قبل الأخير - والزحام على أشهده - طلب مني عدد من الحاضرين أن أتناول في هذه الزاوية ما هو محل الشكاية والتذمر.. وهو ما أشرت إليه آنفاً وقد أحسنوا بي الظن.. جعلني الله كذلك - حيث قالوا إن كلمتك ستكون مسموعة ومقبولة من الجهات المختصة.. أرجو ذلك ولا أزكي نفسي وها أنذا قد بلغت.. اللهم فاشهد.
***
أما ما يتصل بأمانة مدينة الرياض في هذا الجانب فهو التفكير في طريقة الآلية التي نطالب بها. بحيث تكون مستوعبة لجميع أهالي المتوفين.. وإن كثروا.. ومتساوية في الشكل والاجراء.. فلا فرق في التعزية بين كبير وصغير في الشكل الاجرائي.. وان كان هناك فرق كبير بين مشيعي هذا وذاك.. من حيث الكثرة والمستوى.. كما قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - «الفرق بيننا وبينهم - ويعني المبتدعة الذين عذبوه.. ليقر بأن القرآن كلام الله مخلوق - يوم الجنائز أي من هو الذي يشيعه أكبر عدد ممكن.. وقد شيعته بغداد بلا مثيل له - رحمه الله -.
أملي في أمانة مدينة الرياض أن تهتم بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً عندما نرى الضوء الأخضر من أهل الاختصاص.
تغمدنا الله وإياكم جميعاً بواسع رحمته ورضاه.
|