مستشفى (الرشاد) التعليمي للأمراض النفسية في بغداد هو أحد مستشفيين لمعالجة الأمراض النفسية في العاصمة العراقية هاجمه اللصوص والغوغاء ونهبوا ممتلكاته وخلعوا حتى ملابس المرضى واستولوا على مقتنياتهم الشخصية الزهيدة هرَب العاملون في المستشفى خوفاً على حياتهم أو سَعْياً لحماية عائلاتهم في بيوتهم فانهيار الأمن بلاء عظيم ينشغل الناس به عن التزاماتهم بعد أن تسقط الأقنعة وينفلت الوحش في الإنسان وتذوب العُهود والمواثيق ويُسيطر الذعر وتتغلب الأنانية المفترسة ويُخيم على الأجواء غبار الهلع الدموي القاني.
* حاول النزيل بالمستشفى (هاجوب أوزونين) الهرب من المستشفى ولكنه عاد إليها بعد يوم واحد خوفاً على سلامته لأن الشوارع كما يقول كانت مزدحمة بالمجانين.
* وكالة (رويترز) تقول إن المرضى استقبلوا فريقاً من الصحفيين بحفاوة بالغة وأن بعض المرضى ظهروا أكثر تعقلاً من الدهماء الذين كانوا يهاجمون كل شيء في بغداد في موجة هستيرية صاخبة لم يسلم منها تاريخ العراق العريق في المتحف الوطني أو المكتبة الوطنية.
* ظاهرة الهستيريا الجماعية العنيفة والعنف المدني والنهب والسلب وهتك الأعراض ليست ظاهرة عراقية نلوم فيها الشعب العراقي فهي حالة إنسانية ظهرت في أكثر المجتمعات انضباطاً مثل لوس انجلوس ونيويورك وتظهر بشكلها الواضح في أزمنة الحروب الأهلية وسُقوط السلطة أو اختفائها وأن كانت تثير الاستغراب في هذه الأزمة لأن الولايات المتحدة خططت لهذه الحرْب فترة طويلة وظهرت واثقة من قدرتها على السيطرة والتحكم وضربت على صدرها مؤكدة على أن «الطريقة» الأمريكية في تدمير الأمور وبعثرتها ثم تدبيرها ولملمتها طريقة مثالية محكمة لا يتسرب منها الماء ولا يتسلل إليها الخلل. وعلى كل حال فهذا شيء من درس وعظة للمؤمنين بالولايات المتحدة الأمريكية المقتنعين بحكمتها وقدرتها وإحاطتها علماً بالظاهر والمخبوء لعلهم يعتبرون ولا يضعون كل بيضهم في (الأومليت) الأمريكي المحروق.
نعودُ إلى المستشفى النفسي في بغداد فنعرف أن المرضى بالمستشفى أخذوا زمام الأمور في أيديهم بعد اختفاء الإدارة والعاملين وأنهم مكثوا أياماً يديرون أمورهم بأنفسهم وهذا نتاج جديد فريد للحالة العراقية حين يقوم المرضى المتهمون بالاضطراب النفسي والمحتجزون حماة لأنفسهم وللمجتمع بإدارة شؤونهم وترتيب أوضاعهم ويثير تساولات حادة عن أسوار المستشفى النفسي المذكور والوضع الصحيح ل«لوحة» المستشفى في مجتمع حكمهُ نظام مستبد سوداوي نعجب كيف يستطيع المواطن أن يحافظ فيه على توازنه النفسي وصحته العقلية.
* في عراق صدام حسين قانون يقضي بقطع لسان كل من يتعرض لشخص الرئيس من قريب أو بعيد وبقطع إذن كل من يهرب من الخدمة العسكرية وفي العراق تُعلقُ رجلا لاعب المنتخب ب«الفلقة» ويُضرب تأديباً له إذا فشل في تسديد هدف. وفي العراق تم اعدام عدد كبير من القادة العسكريين لأنهم فشلوا في تنفيذ الخطط العسكرية العبقرية للقائد صدام حسين الذي لم يتخرج حتى من مدرسة الجنرال (بوكاسا) أو جنرال اليكتريك وهو العراق الذي كان يصر على تسمية الهزيمة الساحقة (أم المعارك) ويهدد وزير إعلامه بتدمير الولايات المتحدة وسحقها عسكرياً وهي تكاد تُسيطر على موقف سيارته وتصادر أدوات حلاقته.
* المرضى في مستشفى الرشاد النفسي جديرون بالتمحيص وربما التقدير فهم الذين آثروا الالتجاء إلى أسوار تقيهم من نظام مجنون ومجتمع مقهور مغبون وهم الذين اعترفوا بعجزهم عن الاحتفاظ بتوازنهم ورفضوا عالم «العاقل» المهيب صدام حسين ويجب أن يستشيرهم الرئيس (بُوش) والجنرال (فرانكس) والزعيم (الجلبي) في ترتيب مستقبل العراق وإعادة بنائه ولعله يجد لديهم أفكاراً جيدة حول إعادة ترتيب المنطقة وارساء الديمقراطية وربما حتى (خارطة الطريق).
|