ما كنت أحلم قط ان يحتفي أحد بكتابي المتواضع «كيلا نحرثَ في البحر» مثلما فعل الأديب الكبير الأستاذ عبدالفتاح أبومدين، رئيس نادي جدة الأدبي، فقد خلع عليه حُلّةً مطرزةً بنبل الظن، وحصافة الرأي، وثراء المعلومة الأدبية واللغوية، ومنحه من وقته وأدبه وجهده كمّاً كبيراً انتثر عبر ثماني عشرة حلقة نشرتها صحيفة «الجزيرة»، بدءاً من يوم الجمعة الثاني من شهر ذي الحجة من العام المنصرم، وانتهاء بيوم الاثنين الخامس من شهر صفر من العام الحالي، وحملت عنواناً واحداً «واصدحي يا خواطري».
***
وإنني في الوقت الذي أرفعُ فيه هام الإعجاب بقلم وفكر الأديب أبومدين، وبالجهد الكبير الذي أنفقه «تشريحاً» لهذا الكتاب وتنقيحاً للسواد الأكبر من موضوعاته، فإنني في الوقت ذاته أوقنُ بأنَّ الكتاب ليس أهلاً لكل ذلك القدر من الاحتفاء، وكان يمكن ان يكتفي الأديب أبومدين برسالة شكر جزاء إهدائي إياه نسخة من الكتاب، كما فعل غيره من أهل الفضل، أو يكتب حديثاً واحداً في مجلة أو صحيفة يتحدثُ فيه بايجاز عن الكتاب وصاحبه، مثلما فعل عدد من زملاء الحرف الجميل، أما أن يتناول أديبنا الفاضل الكتاب تفصيلاً، فيشيدُ به مرةً، ويصوِّب أُخرى ما أعوّج فيه، صياغةً أو طباعةً أو إملاءً، فذاك فضلٌ منه ونبلُ ظن!.
***
ويبدو أن أستاذي أبومدين قد أوجس خيفةً في بعض فواصل طرحه الجميل خشية أن أعتب عليه، أو ألحقه سوء الظن مما فعل، فراح يعتذر سلفاً عبر أكثر من حلقة، والحقُّ أن شيئاً من هذا لم يُدر بخلدي أبداً، منذ أن علمت ان الكتاب استفزّ اهتمام أديبنا الفاضل، فسخّر له من جهده قدراً مشكوراً!.
***
لقد كنت أتابعُ بزهوٍ حلقاتِ التعليق على الكتاب.. الواحدة تلو الأخرى، وأقفُ عند «نقاط التفتيش» الجادة التي أقامها الكاتب الكريم على بوابات العديد من الفصول يُصوِّب من خلالها ما اعتبره خللاً في اللغة، أو عِوَجاً في الصياغة، أو زَلَلاً في الإملاء، أو يعلق على رأي طُرِحَ هنا أو هناك برأي آخر، يرى فيه ملاءمةً أو سداداً!.
***
وكنتُ وأنا استعرضُ طروحات الأستاذ أبومدين أعودُ الى نفسي قائلاً: نعم.. أخطأت هنا، وأصاب أبومدين! أما تقييمه لبعض ما ضمّته صفحات الكتاب من مواقف أو استنتاجات أو آراء، فأعتقدُ أن كاتبنا الكبير يشاطرني الرأي بأنها «مسائلُ خلافيّة» يُحتَملُ فيها الخطأُ والصوابُ، وهذا بإيجاز ما يمكن أن أعتبره «رداً» موجزاً على حلقات أديبنا الكبير/ عبدالفتاح أبومدين!.
***
وقد بدا لي جلّياً عبر الحلقات الثماني عشرة، اهتمامُ الأديب أبومدين باللغة العربية، صياغةً ونحواً وإملاء، وكانت هاجسُه الطاغي عبر تلك الحلقات دون استثناء، وقد أفلح في «اصطياد» العديد من الهنات عبر فصول الكتاب، بعضها «طباعية»، وبعضها نشأ خطأً أو اجتهاداً من لدن صاحب الكتاب، وأشهدُ إنني قد تعلّمتُ من ذلك الكثيرَ، وكان في جلّها محقاً ومصيباً!.
***
وبعد..،
فإنني لمدينٌ بالاعتراف والعرفان للأديب الكبير/ عبدالفتاح أبومدين لمنح كتابي «كيلا نحرثَ في البحر» مساحةً رحبةً من اهتمامه وأدبه وخبرته، ولذا.. فإن عرفاني له يفوقُ كلَّ حرفً رسَمه عن الكتاب أضعافاً، وأزيدُ بالقول أن حديثَ أبومدين قلادةُ فرحٍ لي، ووسامُ تكريم لكتَابي، وستكون حروفُه المضيئةُ مشعلَ معرفةٍ استنيرُ به عند إعادة طباعة هذا الكتاب أو سواه!.
|