Sunday 20th april,2003 11161العدد الأحد 18 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حار الدمع.. فدمع القلم حار الدمع.. فدمع القلم
عبدالله عثمان القصبي

  قبل أيام قليلة روعت بلادنا بمرض ركن هام من أركانها وتسارعت اعراض المرض وازداد وربا.. وهب أهله ومحبوه فزعاً من المفاجأة واستقدموا له مشاهير الاطباء من كل جانب وشغل هذا المرض الخطير المفاجئ كل محبيه، وغلت الدواوين والمجالس بأخبار صحته.. ثم فوجئنا بسفر الاطباء يأساً من شفائه ونزل الخبر كالصاعقة على جميع المواطنين.. وصرت ترى سيلاً من زواره يتجهون الى المستشفى الذي كان فيه، والى بيته يتسقطون الاخبار عن صحته.. فقد كان فاقد الوعي.
وخيم اليأس على الشوارع ومن فيها والبيوت والندوات، وزحفت المنايا واقبلت واعلن الموت قدومه وظلل اليأس مشاعر الجميع وآمالهم وأسلمت تلك النفس المطمئنة روحه الى خالقها.. ورحل ماجد بن عبدالعزيز الى دار القرار.. وشاع الخبر وانتشر فماجت الشوارع بجموع المواطنين وتهافت اخوته واقرباؤه ومحبوه الى جدة وزف الألوف جثمانه الى بيت الله الحرام وصلى عليه جموع غفيرة من المصلين وبعدها تعالى الدعاء والبكاءوغادر جثمانه بطاح مكة الى مثواه الاخير وغاب الماجد ماجد.. رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه ومحبيه الصبر وتعالت ذكراه فوق البكاء وخلدت مع الخالدين تنيرها أخلاقه وصفاته وتكللها صلوات وأدعية المواطنين وتذكيها محبة الناس أجمعين.
***
ولقد سعدت بمعرفته قبل خمسة وأربعين عاماً أو تزيد في مدينة «جنيف» وكان مجلسه بعد صلاة المغرب عامراً بزواره من العرب ومن المسلمين من كل جانب ومن الاجانب ايضاً.. وكنت تراه إذا جئته متهللاً مستبشراً يحدث زواره بأدب رفيع واهتمام بالغ ويطرق موضوعاتهم كمن له صلة وثيقة بها او يسترسل في الموضوع الذي يطرحه محدثه في اطار توجهات المحدث وبأسلوب رفيع واهتمام واضح..واذا ما انصرفوا رافق أياً منهم بكلمة وداع رقيقة.. وكم أوصل من زواره الى منازلهم لو رشَّت السماء أو برد النسيم.. وهو هكذا في بشره وطيبه في بلده ايضاً قبل ان يكون وزيراً او حاكماً لجدة وبعدهما وفيها كلها كان البشر والبسمة اطار احاديثه وكان الحوار الهادئ الرفيع ميزة من ميزات مجالسه يتجاذب فيه الحديث مع زواره فيما يسرهم او يهمهم.. ولا اذكر مرة واحدة رأيته فيها منفعلاً في حديثه أو كدراً من سائل او معرضاً عن محتاج، كما كان يحاور جليسه حوار الزميل المحب لا حوار الحاكم لجلسائه.ويضيق المقام عن سرد خصائصه واخلاقه وصفات اسلوبه الهادئ الباسم غير ان اي متكلم في واحدة من هذه عنه رحمه الله، لابد ان يقف عند اهم الصفات التي تميز بها وعرفها الجميع عنه ألا وهي: وفاؤه القوي الفريد لأهله وذويه.. بل ولكل العاملين معه.. حتى قيل ان من اسباب تركه للسلطة كان الوفاء.
والمعروف ان زوار المسؤولين وجلساءهم يتناقصون بعد ترك المسؤول منصبه إلا زواره رحمه الله.. بل انهم كانوا يتكاثرون في مجلسه بعد تركه المناصب.. وعندما ألم به المرض وهو خارج السلطة كان زواره في المستشفى الذي كان يرقد فيه فاقد الوعي كانوا اكثر منهم ايام كان حاكماً للمنطقة الغربية كلها.
***
وكواحد من محبيه عزمت على كتابة كلمة وفاء وحنين بعد رحيل هذا الرجل العظيم العزيز علي وعلى الكثيرين بل وعلى جميع من اتصل به او احتاج اليه.. فقصدت قلمي ورفيقي مع الايام اذا ما جن الليل واطرفت قليلاً ثم هممت بالكتابة فلم يطاوعني القلم وجمد بين اصابعي فوق قرطاسي ورفعت رأسي الى السماء وهمت في سماء الذكريات الواسعة الفسيحة بصحبة طيفه وحرن القلم في يدي وحار الدمع.. فدمع قلمي..ثم قال يا صاحبي دموع العيون تذرفها دقائق ثم تقف وقد تعود اخرى وقد لا تعود لكن دموعي عنك ستخلد مع الزمن تسطرها ذكرياته وخلقه وصفاته ترتلها الاجيال إجلالاً للراحل العظيم.وإلى خادم الحرمين الشريفين وأخوته وذرية الفقيد وذويه حفظهم الله، أرفع هذه الكلمة معزياً بعد ان اقعدني المرض عن اداء واجبات الرحيل..فجمدت أصابعي وجمد القلم فحار الدمع.. ودمع القلم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved