Sunday 20th april,2003 11161العدد الأحد 18 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وبعد الدمع.. جف المداد وبعد الدمع.. جف المداد
عبدالمقصود خوجة

الحمدلله على قضائه وقدره.. سننه تجري على خلقه مذ خلق آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.. فجعل الارض كفاتاً.. احياء وامواتاً.. نجري على كف القدر.. ولا نستطيع قراءة ما تجري به المقادير.. وذلك من رحمة الله بعباده.
مضت ايام وقلبي منقبض، كأن ثقلاً هائلاً يعتصره، لم يكن هناك سبب محدد، ولا علة طارئة، استحوذت عليَّ سوداوية ما للخروج منها سبيل.. فوضت أمري الى الله.. متوجساً خيفة.. متوسلاً إليه ان يلطف فيما قدر.
وعندما نعى إليَّ الناعي أميرنا الانسان.. صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز.. وددت لو ان اقلامي تكسرت وهي في كساحها وهزالها غير قادرة على تجميع أحرف كلمات تتألف منها جمل مفيدة تعبّر عن مكنون ذاتي ولوعة نفسي وحرقتها.. تداعى الى وجداني الحديث الشريف «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف».. سبعة واربعون عاماً وروحي ما انكرت يوماً روح فقيدنا الغالي.. ولم تكن صلتي به قط لامارة او منصب او عرض زائل، فهو من القلائل الذين تعلو بهم الرتب، وجوهره في شفافية وزهو وتألق منذ ان عرفته.. لا اقول انه انعتق من طينه وصلصاله، لكني ازعم انه كان لسمو الروح اقرب من وهدة الثرى، وضيق أفق الأنا.
ألا رحم الله ماجداً.. فلم يذكر المجد إلا وكان على صهوته فارساً نبيلاً.. وشهماً مقداماً.. وكريماً جواداً.. وقديمة قيل: «ألسنة الخلق أقلام الحق».. فكم من صحائف سطرتها تلك الأقلام، فشيدت له مجداً ما جلبه بحسب ولا نسب ولا منصب ولا مال ولا جاه..إنما صنعه بصدق الريادة، وعزيمة الرجال، فقد ظل أبداً الرائد الذي لايكذب أهله.
لقد سكن فقيدنا الغالي بإكسير الحب القلوب قبل الديار.. فكان دائماً صاحب كل منزل في هذه المنطقة التي عرفته منذ اكثر من عشرين عاماً خدناً للفضائل، موقراً شيبنا، مكرماً شبابنا، وعاطفاً على صغيرنا.. ظل طيلة حياته صاحب فضل في أداء الواجبات الاجتماعية تحت كل الظروف، ليس رياء ولا زلفى، بل حفزه في ذلك تعاليم ديننا الحنيف التي تحض على زيارة المريض، فقام بها خير قيام مع متابعة متواصلة وحرص دائم على الاطمئنان على صحة مواطنيه ومحبيه.. وعند الافراح رأيناه المهنئ الذي ينطق بشراً بفرح مواطنيه وابنائهم.. وفي مناسبات العزاء رأيناه ذلك الوجه المشرق بنور الإيمان، يواسي من امضهم الحزن بفقد عزيز لديهم.. وعندما يحزب الامر يقدح ذهنه الوقاد، وبديهته الحاضرة، فتأتيه حلول المعضلات منساقة في وداعة واطمئنان وكأنها لم تكن في شراسة تنذر بشر مستطير قبيل تدخله لنزع فتيلها.. لا يعير راحة نفسه اعتباراً، ولا يعوَّل على عطلة، او ليل، او نهار، للنهوض بما يراه واجباً يستدعي شهامته المعهودة لخدمة الوطن والمواطنين.. كما ظل خير سند وعون ودعم لكثير من مشاريع الخير التي عم نفعها وذاع صيتها، ولم يكن ذلك مستغرباً قط عن نفس سموه الصافية التي تنضح بكثير من صفات الخير وما جُبلت عليه من سجايا تستوجب الثناء والتقدير والعرفان.
لقد وجد كل من عرف شخص فقيدنا العزيز الاحساس بالامان والاطمئنان، فهو من الناس الذين حباهم الله بإشاعة جو من الامان النفسي لكل من يلتمسه فيه.. ومن الفرائد والقلائد التي تميز بها الدقة المتناهية، والوعي الحضاري الرفيع الذي يتعامل به مع الوقت، كواحد من أهم مقومات النجاح، فعُرفت عنه الاستفادة القصوى منه وتسخيره في كل حين وآن لصالح العمل والمواطنين، حتى ادرك الجميع مكان وجوده على مدار الساعة بما عُرف عنه من دقة، وتقيد بالمواعيد سواء في الدوام الرسمي بديوان الإمارة او في قصر سموه.. وستبقى جلسات قصره العامر مخلدة في سجل صفحات شرف رجولته، إذ كانت امتداداً ينساب في سلاسة لعمله الرسمي عندما كان على سُدَّة الإمارة على مدار ايام الاسبوع.. وكم كان من حمد الله انه خلا من كل غيبة ونميمة ومن الصغائر والمثالب.. وكم كان تواضعاً من سموه وهو حاسر الرأس، هاشاً، باشاً، مبتسماً بما يضمن تزاوج الهيبة مع الاحترام والتوقير، مما يفسر ديمومة المحبة والمودة التي ربطته بالناس، فكان الصغير قبل الكبير يشعر انه مكان عنايته واهتمامه، فامتلأت النفوس بالرضا، والمشاعر بالغبطة والاطمئنان، فهنئوا بذلك لأن الأيام سقتهم كأس معرفة مفادها علم سموه بنبض مشاعرهم وتحسسها لترجمة ما امكن منها وبلورته بقرارات اسعدتهم.. فكانت الثقة المتبادلة التي ربطت بين الراحل الكبير ومواطني هذه الارض الطيبة.. اذا ادلهمت الامور كان دائماً المعوان على الخير، المغلاق للشر، القائم ابداً بالذود عن حياض الفضيلة والعدل والاحسان.. في تواضع تزينه عفة يد ولسان، ونقاء سيرة وسريرة.
وعزاؤنا ان نبتهل الى الله الكبير المتعال ان يتقبل فقيدنا الحبيب مع الصديقين والشهداء والصالحين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. روحه في قناديل العرش.. وقبره روضة من رياض الجنة.. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved