تتساقط الكثير من الكلمات حينما تعرف عن وفاة صديق او قريب في التعبير عن ما يدور في خواطرنا من ذكريات جميلة تبقى للانسان.
وحين يكون المصاب كبيراً وخاصة في شخص كان يساهم في دفع عجلة التقدم في بلادي.. ويتمتع بخواص كثيرة اهمها تواضع الامير وابتسامته الحنونة في صدر وقلب كل فقير.. نجد ان هناك صعوبة في هذه اللحظات القاسية ولكن لابد لنا ان نرضى بما كتبه الله على البشر من دار البقاء ودار الخلود. تذكرت موقفاً من تلك المواقف العظيمة التي كنت اتعلمها من سموه رحمه الله.. بصفتي مشاهداً من بعيد حيث انني لم اتشرف بالعمل مع سموه. هذا الموقف يتلخص عند حضوري لاحدى المناسبات العامة بمكة المكرمة وكان سموه رحمه الله وقتها اميراً لها. حيث جاء وقت الصلاة خلال هذه المناسبة، فتوقف الجميع لاداء الصلاة وذهبنا جميعاً نصلي بما فيهم سمو الامير ماجد والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. انتهت الصلاة وهبّ الناس راغبين في العودة لمكان الحفل بما فيهم سمو الامير ماجد، وبقي الشيخ بن باز يكمل بعض السنن حيث تأخر قليلاً.
وهنا بقي سمو الامير واقفاً مع مساعديه وبقية الضيوف امام المصلى ومنبهاً على الحرس الشخصي لسموه بعدم اصدار اي صوت حتى ينتهي الشيخ بن باز من اداء صلاته.. وبقي الوضع كما هو عليه ونحن وقوف لعدة دقائق لعلها كانت تحسب عند بعض المتعجلين ساعات، كون ان المشهد مهيب والكل ينتظر العودة لمكانه بالحفل.. هذا المشهد وان كان له اكثر من عشر سنوات الا انه ترك اثراً كبيراً في تواضع الحاكم لرجل العالم.. وهو ليس بمستغرب. والمشهد الثاني الذي زاد هذا التواضع تواضعاً انه وعندها همّ الشيخ بن باز بالوقوف بعد انتهاء الصلاة فوجىء الجميع بما فيهم كاتب هذا المقال بجلوس سمو الامير ماجد بشكل رياضي بديع ليقوم بالتقاط العصى التي كان يتكىء عليها الشيخ بن باز رحمه الله، ويساعد الشيخ بن باز بالقيام من مجلسه وناوله العصى وليسيرا جنباً الى جنب والعودة لمكان الحفل.
أثار هذا المشهد الكثير من علامات المحبة والرضى والتواضع لدى الحضور، وصرنا ننظر الى انفسنا ونقول ان التواضع من شخص مسؤول وبهذا الحجم لاشك انه السرّ في تكاتف هذا الشعب السعودي العظيم ودلالة واضحة ان الحاكم عندما يكون متواضعاً فسوف تبقى هذه المواقف في ذاكرة الزمن.. ولتكون درساً للاجيال القادمة. ان هذا الموقف سُجل من ذلك اليوم في مداد من ذهب للعلاقة بين الحاكم السياسي ورجل الدين.. فتواضع الجميع هو ديدن هذا المجتمع. انني ارفع هذا الموقف لابناء سموه رحمه الله وبناته لنقول لهم ان والدنا ماجد كان بحق رجل دولة متواضعاً كريماً شهماً يحب الخير للناس، ولاشك انتم ستكونون خير خلف لخير سلف.. فمعرفتي بسمو الامير مشعل بن ماجد وان كانت محدودة جداً إلا انني ومن لقاء واحد شعرت من تواضعه وأدبه الجمّ كأنني أنا الأمير.. وهو المواطن.
رحم الله سمو الامير ماجد ولقد ترك دار الفناء وسوف تبقى ذكراه في هذه الدنيا عطرة باسمة. اننا في هذا البلد جميعاً نرفع اسمى آيات التعازي لمقام والدنا الملك فهد بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين وولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والى النائب الثاني صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز والى كافة افراد الأسرة المالكة،{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
* مستشار معالي وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف بجدة
|