Sunday 20th april,2003 11161العدد الأحد 18 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
اضطره السَّيْلُ إلى معطَشَة
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

شأن أمتنا الإسلامية في عصْر شتاتها هذا الذي تعاني منه ونعاني منه أشدَّ المعاناة شأنٌ عجيب غريب، استسلامٌ للأعداء لا مَنَاص منه، وكأن خُطط الأعداء في بلاد المسلمين قد أصبحت قدراً محتوماً لا يمكن لنا أنْ نواجهه، وانسياقٌ شائنٌ وراء الأعداء، وكأن اتباعهم وتقليدهم الطريق الأسلم لتحقيق ما نريد.
ولاشك أن هذه الحالة الغريبة قد ولَّدت في مشاعر معظم المسلمين الإحساس بالضعف، والشعور بالإحباط والانهزامية، وهذا الشعور وذلك الإحساس هما السبب في انهيار الأفراد والمجتمعات والأمم، وهما منافيان لما يعلِّمنا به قرآننا الكريم وسنة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هما معارضان للسنن الكونية والنَّواميس الإلهية التي تقضي أنَّ من يجدُّ ويجتهد، ويعمل ويتفانى، ويمدُّ لنفسه جسور الأمل في الحياة هو الذي يتمكَّن من القيادة والرِّيادة فيها، فإذا كان هذا المجدُّ المتفاني في العمل كافراً كانت قيادته للحياة منحرفةً فاسدة كما هو مشاهدٌ في مدنيَّة الغرب اليوم وإذا كان المجدُّ المتفاني في العمل مؤمناً بالله تعالى كانت قيادته للحياة مستقيمة صالحةً نافعةً للبلاد والعباد كما كان الشأن في فترات الخلافة الإسلامية الراشدة وكما تحقق بوضوح في خلافة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
نعم.. إنَّ شعوراً بالإحباط يسري في نفوس كثيرٍ من المسلمين اليوم في ظلِّ هذه الحالة البائسة التي يعيشها العالم بسبب «هيمنة القوة المادية الغاشمة» عليه وعلى خيراته وثرواته المادية والمعنوية.
وإذا أردنا أن نشير إلى السرِّ الكامن وراء هذه الروح الانهزامية للأمة، فإنَّ عقدة الشعور بتفوُّق الآخر تقف من بين أهمِّ الأسباب التي تصنع ذلك السرّ.
وهذه العقدة مَرَدُّها الأول والأخير الى «ضعف صلة المسلمين بدينهم» من حيث عمق الإيمان ورسوخ اليقين، ومن حيث العمل به والتطبيق، وإذا ضعفت علاقة المسلم بربه فإنَّ ذلك يعني أنه لم يعد لديه أيُّ وسيلةٍ من وسائل التفوُّق على الأعداء، لأن الأعداء كما نعلم متفوِّقون مادياً وعسكرياً بدرجةٍ كبيرة، وهنا مكمن الخطورة في الأمر الذي لا يفطن إليه إلا القلّة من المحللّين السياسيين الذين تزاحمت اللقاءات معهم في وسائل الإعلام بصورة كبيرة هذه الأيام.
إن هذه الحالة لأمتنا ذكرتني بذلك المثل العربي القديم «اضطرَّه السَّيْل إلى معطشة»، وحتى يتضح معنى المثل تخيَّلوا معي رجلاً وضع رحله في طريق السيل «في وادٍ كبير فسيح»، وبدأ يبني منزله ويجِّهز حياته للعيش في هذا الوادي، وقد غفل أشد الغفلة وهو يتجوَّل في أرجاء المكان لسنواتٍ عدَّة عن تلك الشِّعاب، والأودية الصغيرة المنحدرة من الجبال التي تصبُّ في ذلك الوادي، ومرَّ به من الناس من وجّه ذهنه إلى ذلك ولكنّه لم يكن يلتفت إلى تلك التوجيهات، فهو يعيش في هذا الوادي معيشة هانئة يستفيد من خصبه وهدوء جوِّه، ولرَّبما جرى ذلك الوادي جرياناً خفيفاً حينما تهطل الأمطار فلا يشعر الرجل بخطورة ذلك الجريان، حتى إذا ظنَّ أن ذلك الوادي خير مكانٍ يتحقق فيه ما يريد من الحياة المستقرة، هجم عليه سيله الجارف ذات يومٍ بما لم يكن يتوقع. فإذا بأحلام صاحبنا تذهب أدراج الرِّياح، واستطاع أن ينجو بنفسه هارباً مذعوراً من هول ما رأى، وظلَّ في طريق هربه حتى بلغ منه الجوع والعطش مبلغه، ولكنه كان حينها في أرضٍ جرداء قاحلة لا كلأ فيها ولا ماء... إنه يخشى على نفسه الآن من العطش.
وقف في تلك اللحظة متسائلاً: كيف غفلت عن هذا الأمر من قبل؟ كيف لا استمع إلى نصح الناصحين؟ ولكنَّ سؤاله كان يضيع بين جفاف ريقه من العطش، وبين أصوات هدير السيل الذي يُصمُّ الآذان.
لكم أن تضعوا «صورة أمتنا» في موقع الرجل من الوادي، الأمة التي أناخت ركابها في وادي «التبعيَّة» الغربية المخيف غافلةً عن نصائح الناصحين، ظانَّةً بالوهم أنَّها تسلك الطريق الصحيح إلى التطوُّر والتقدُّم.
انظروا معي إلى هذه الأمة الحبيبة الآن وهي في أرضٍ قاحلةٍ من الإحساس بخيبة الأمل من دعاة «الديمقراطية، وحرية الإنسان»، ومن الشعور بالانهزامية أمام سيل وادي التبعيَّة الغربية الجارف الذي يجري أمام أعين الجميع قاذفاتٍ وطائراتٍ ودبَّاباتٍ ومدافع، ولسان نيرانه يقول: هذا ما يستحقه مَنْ اطمأنوا إلى الإقامة في بطن الوادي الرهيب، لقد اضطر هذا السيل أمتنا إلى «مَعْطَشة»، أي إلى مكان ليس فيه إلا العطش.
هنا يبرز سؤال مهم: هل نستسلم؟
هل يكون حظُّنا في ظل هذه الأحداث أن نقف مهزومين، مبهورين، متفرِّجين، ننتظر السيل الجارف ليقتلع المكان والكيان؟.
هذا الدور لا يرضى به كائنٌ حيٌّ يشعر أن له مكاناً في هذا الوجود، فماذا نصنع؟؟
الجواب أوضح من الشمس: «نعمل على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم» ننتقل من مرحلة التلقّي السلبي من الآخرين إلى مرحلة تفعيل دورنا في هذا الكون، الى مرحلة التخطيط المستقبلي لحياتنا.
يجب أن نتجاوز مرحلة التنكيت والتعليق على عبارات ومصطلحات السِّباب والشتم التي استخدمها «الصحَّاف» أثناء المعركة «المسرحية»، إلى مرحلة الإجابة عن السؤال الأهم «ماذا نصنع للخروج من الوادي حتى لا يمحو السيل الجارف آثارنا تماماً»، الأمريكان ما يزالون يواجهون بعض الصعوبات في العراق، ولكنَّهم تحدَّثوا مباشرة عن سوريا، لأنهم تعوَّدوا على النظرة المستقبلية التي تحرِّك همم الناس عندهم إلى ما بعد الحالة الرَّاهنة.
إذا تجاوزنا خنادق إهمالنا وضعفنا استطعنا الانطلاق مهما كانت قوة أعدائنا.. وهنا أشعر أنَّ رسالةً قادمةً من تاريخنا العريق يوجِّهها إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد أن وجَّهها إلى أبي عبيدة رضي الله عنه الذي ارسل إلى عمر يخبره بأنَّ الروم قد جمعوا لهم جيوشاً لا قبل للمسلمين بها، تقول الرسالة العمرية: «فأما قولك: إنَّ المسلمين قد جاءَهم مالا قِبَلَ لهم به، فإنْ لا يكن لكم بهم قِبل، فإنَّ لله بهم قِبلا، ولم يزل ربنا عليهم مقتدرا..، وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال، فأخلصوا لله نيتكم، وارفعوا إليه رغبتكم واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».
هنا توجيهٌ إلى التوكُّل على الله مع العمل والصبر والمرابطة، فهل يمكن أن توقظنا هذه الرسالة وأمثالها؟.
إشارة:


أنا لا أرى جور الأعادي عائقاً
لكنَّ ضعف المسلمين العائقُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved