علي واحد من التجار القليلين في كركوك الذين يفتحون محلاتهم، فمعظم المحلات الاخرى مغلقة حتى في منتصف النهار، فباتت السوق تبدو مسكناً للاشباح.
في محل الكباب المتواضع، يأمل علي أن يكسب بضعة دولارات من المراسلين الاجانب الجوعى ليفي ببعض احتياجاته المالية في حقبة ما بعد الحرب.
وأمام محله، تقوم القوات الامريكية والبشمرجة الاكراد بدوريات في شوارع كركوك لمنع عمليات النهب التي يصفها علي بأنها خطيرة ولكن ليس بخطورة ما يحدث في بغداد، وغسل الايدي قبل وبعد الاكل هو شيء من الرفاهية ومصدر لتأنيب الضمير حيث يتم ترشيد استهلاك الماء وتوجيهه للاحتياجات الأكثر ضرورة، والكهرباء ايضاً تعمل لساعات محددة.
وللوهلة الاولى، من الصعب أن تتصور أن هذه المدينة الفقيرة المتربة في شمالي العراق هي مصدر هام لامدادات النفط العالمي.
ورغم ذلك فإن سكان كركوك لا يبدون مطلقاً أي اهتمام في الوقت الحاضر باستراتيجيات القوى العظمى أو ما خطط له الدول المجاورة لهذه المدينة، إن شغلهم الشاغل هو سرعة وقف أعمال النهب وتوفير مزيد من الماء وزيادة عدد ساعات سريان التيار الكهربائي وحلول السلام بين الجماعات العرقية المختلفة، «إن ما يجب أن نفعله أولاً هو عدم تكرار أخطاء الماضي» هذا ما يقوله عضو في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يوجد بصورة واضحة في كركوك على الاقل من خلال الصور المنتشرة لزعيمه جلال الطالباني.
ويقول عضو الحزب إن المواجهات العرقية بين العرب والاكراد والتركمان والاشوريين في المدينة كلفت أرواحاً عديدة في العقود الماضية وفي النهاية ذهب كل شيء هباء.
وفي الوقت الحالي يرغب كل فرد في كركوك في نسيان الخلافات من أجل التعايش الديمقراطي والسلمي والنصيب العادل من دخل النفط، وفي إطار الخطوات الحذرة الاولى التي اتخذت في هذا الاتجاه تشكلت لجنة تنفيذية بالمدينة مثلت فيها الجماعات العرقية الاربع تمثيلاً متساوياً بخمسة أعضاء لكل منها، وتم تطبيق نفس النهج في إدارة المستشفيات الاربعة التي أعيد تشغيلها في المدينة، وقيل إن هذه الخطوة الغريبة تهدف إلى تجنب حتى أبسط احتمال للنزاعات العرقية.
ويقول أحد المراقبين إن «الجميع يخشون بعضهم البعض، العرب يخشون الاكراد، والاكراد يخافون من الاتراك، والتركمان، والاشوريون يخشون الاثنين معاً»، مضيفاً أن هذا الخوف يمكن أن يؤدي لنوع من النظام.
ويقول أحد السكان العرب بطريقة حذرة إن هناك قلقاً عاماً في أوساط العرب بشأن سيطرة الاكراد المدعومين من الولايات المتحدة في كركوك، خاصة أن الاكراد يدعون أن المدينة هي عاصمتهم الحقيقية.
ويقول هذا العربي إن «التهديدات القادمة من أنقرة تلقى ترحيباً كبيراً في أوساط العرب ليس لأنهم يحبون الاتراك ولكن لخلق نوع من التوازن الذي يرغبونه»، ولكن هناك أيضاً نقاطاً يمكن أن تتفق عليها الجماعات المختلفة، فقد قاموا على سبيل المثال بتغيير اسم المستشفى المركزي في المدينة من مستشفى صدام إلى مستشفى الحرية، كما أنهم أجمعوا على إلغاء اسم «التأميم» الذي كان يطلقه صدام حسين على مدينة كركوك.
ويقول علي وهو يقدم أطباق الكباب لزبائنه «حتى بالنسبة لنا كعرب سيبقى اسمها دائماً كركوك وستبقى للأبد كركوك».
|