مهما اختلفت الآراء بشأن انتصاره في العراق، فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد دخل التاريخ الأمريكي، وتتوافر للرئيس بوش سلطة لم تتوافر للكثيرين من أسلافه الرؤساء الآخرين بعد أن فرض سيطرة حزبه الجمهوري على الكونجرس وغيره من مؤسسات الحكم في أمريكا بل ووسائل الإعلام الأمريكية أيضا.
والحقيقة أن هذا الموقف الذي تمر به أمريكا يمثل موقفا خطيرا حيث تنفرد المؤسسة الرئاسية باتخاذ القرار بعد نجاحها في السيطرة على باقي المؤسسات، وقد حذرالمؤرخ الأمريكي الشهير أرثر شيليزنجر من القوة الرئاسية الطاغية في كتابه الصادر عام 1973 تحت عنوان «الرئاسة الامبراطورية».
واستشهد الرجل في كتابه برئيسي أمريكا الأسبقين ليندون جونسون، وريتشارد نيكسون اللذين تمتعا بنفوذ كبير اثناء فترة رئاستيهما ثم غادرا البيت الأبيض بعد أن فقد كل منهما سمعته بسبب فضيحة، ومنذ ذلك الوقت حاول الكونجرس تحقيق قدر من التوازن بين السلطات المختلفة فصدر قانون سلطات الحرب وفيه تم تقييد سلطة الرئيس الأمريكي في شن الحرب بطريقة منفردة، كما شهدت فترات جيرالد فورد وجيمي كارتر تقلصاً لسلطات البيت الأبيض لصالح الكونجرس خلال السبعينيات، وفي الثمانينيات والتسعينيات تميزت الحياة السياسية الأمريكية بتوازن في تقاسم السلطة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، فقد كان الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس يتمتع بأقلية في الكونجرس.
ولكن الموقف تحول تماما الآن حيث يسيطر الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش على البيت الابيض والكونجرس في نفس الوقت.
ولذلك فقد حصل بوش على أكبر تفويض بالحرب من جانب الكونجرس الذي وافق على منحه سلطة اتخاذ القرار بشن الحرب ضد العراق وغزو أراضيه واحتلاله والقيام بعمليات عسكرية أخرى سواء في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها.
و كما استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون أدلة وهمية مثل الادعاء بتفجير الفيتناميين لسفينة أمريكية في خليج تونكان من أجل اقناع الكونجرس بحتمية الحرب، فقد استخدم الرئيس بوش أدلة غير مقنعة للادعاء بأن العراق حاول شراء يورانيوم من النيجر لإنتاج قنبلة نووية. وقد كانت نقطة انطلاق بوش في عملية السيطرة على سلطات الكونجرس في سبتمبر الماضي عندما أعلن عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وأرسلها إلى الكونجرس، ففي هذه الاستراتيجية ادعى بوش حق أمريكا في شن حروب وقائية ضد أي دولة يمكن أن تمثل تهديدا ولو محتملا للولايات المتحدة، وانطلاقا من هذه الخطوة وصل إلى الحرب ضد العراق باعتبارها تمثل تهديدا واضحا وآنيا للأمن الأمريكي على حد زعم الرئيس الامريكي، والحقيقة أن هذا الخطر لم يكن واضحا حتى للدول المجاورة للعراق، ولم تكن بغداد تمثل أي تهديد، لا حاليا ولا حتى في خلال خمس سنوات.
ولم يقتصر استحواذ بوش على السلطة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية ولكن تعداها للشؤون الداخلية، فبمقتضى «قانون الوطنية» الذي تم تمريره العام الماضي وغيره من القوانين التي تطلق يد السلطة التنفيذية في أمريكا بدعاوى الأمن القومي والأمن الداخلي أصبحت السلطة التنفيذية تتمتع بصلاحيات غير مسبوقة في تاريخ أمريكا.
فالآن يستطيع وزير العدل الأمريكي وأجهزة الأمن التابعة له التجسس على الجماعات السياسية في امريكا ومراقبة اتصالات المواطنين والأجانب في أمريكا بدون أي إذن قضائي وهي الممارسات التي دفعت بالكثيرين من مساعدي الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الى المحاكمة عندما تم الكشف عن تورطهم في محاكمة مواطنين بدون إذن قضائي وحرمان المعتقلين من لقاء محاميهم.
وبعيدا عن الغموض المتعمد حول مفهوم الحرب الأمريكية ضد الإرهاب ومعركة واشنطن المفتوحة من أجل القضاء على الإرهاب فإنه يمكن القول ان النفوذ الرئاسي لإدارة بوش بدأ يفرض نفسه وبصورة غير مسبوقة على مختلف مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا.
فحتى الرئيس الامريكي الاسبق ليندون جونسون كان يواجه انتقادات حادة من داخل حزبه بسبب الحرب ضد فيتنام ومن جانب أعضاء في الكونجرس مثل روبرت كيندي، ووليام فولبرايت.، ويوجين ماكارثي، كما أن الرئيس نيكسون الذي خاض معركته ضد الكونجرس والذي كان يسيطر عليه الديموقراطيون قد وجد مقاومة من جانب أعضاء معتدلين في حزبه الجمهوري رفضوا مساندته بعد الكشف عن فضيحة ووترجيت.
* عضو في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون .. جالوب أند ميل الكندية
|