والله يا جماعة الخبر لم يعد الإنسان يعرف ماذا يقول وكيف يعود إلى أيامه العادية بعد حرب خاطفة مجللة بالعار. لكن ما يعزي أن كل أيامنا العربية في العصر الحديث هي كذلك. تعودنا على الهزائم المتتالية. المشكلة في لحظة الخروج من الهزيمة لا الهزيمة نفسها. كما يقول بعض الكتاب الخروج من الكابوس (الجاثوم). ولكننا بدلاً من أن ننهض ونفتح عيوننا على العالم نكتفي أن نتلمس أجسادنا بعدها نحمد الله أننا ما زلنا أحياء فنشرب جغمة ماء ثم نعود مرة أخرى إلى النوم في انتظار كابوس جديد لن يمضي وقت طويل قبل مجيئه.
هذه هي الحال جيلاً بعد جيل ولكن للحياة نداءها الخاص الذي لا يمكن تجاهله. هناك ساعات بسيطة في اليوم سوف نذهب فيها للسوق لتأمين حاجاتنا وحاجات أطفالنا الضرورية. وهناك ساعات لابد أن نتبادل فيها الكلام والنكت وقليلاً من الحب. فالحياة تريد أن تمضي قدما بالمنتصرين والمنهزمين ولا يجوز لأحد أن يتخلف.
أتمنى في بعض الأحيان من باب التجادل الوجودي مع الذات لو أن الزمان ينقلب ويسير نهر الحياة إلى الخلف. يتجه إلى الماضي إلى التسعينات وإلى الثمانينات وإلى السبعينات إلى أن أتلاشي في حضن أمي الدافئ: ولكن المستقبل يفتح فمه المدجج بالأنياب القاسية. يريد أن يقضم مني ويترك جزءاً مني للمستقبل الذي يليه. ولكنني مصرٌّ أن اقتحم أكبر قدر من أشكال المستقبل، مصرٌّ أن أرى لهذه الكوابيس العربية نهاية. ومن باب العناد الإنساني الأصيل أخطط أن أقضي جزءاً من الصيف القادم في بغداد. سآخذ أطفالي وأسافر بهم في السيارة. لم أسافر إلى بغداد في حياتي. كنت أخاف من صدام حسين. لم أؤيده في حربه على إيران ولم أسافر إلى مربده. كنت أعلن احتجاجي علناً وخصوصاً أمام بعض المسؤولين في السفارة العراقية في المملكة. لقد انتهى صدام حسين. والأهم أنني كبرت. منذ ذلك الحين أضافت السنون إلى عقلي رجاحة وإلى قلبي مزيداً من الخوف. سأتجول في بغداد وسأكون عند حسن ظن دكتاتور العراق القادم. أتعهد إلا أتكلم في السياسة. سآخذ اطفالي إلى مدينة الألعاب وإلى المطاعم على النهر وما تبقى من متحف بغداد ولكني سأبذل جهدي أن أسكن في فندق فلسطين لأرى آخر مكان ظهر فيه محمد سعيد الصحاف.
لا أعرف ما الذي ستكون عليه بغداد بعد عام من الان. الأمريكان وعدونا خيراً حيث قالوا إن نفط العراق سيعود للعراقيين. لو كنت عراقياً قلت أعطونا نصفه والباقي لكم. هذا يكفي ليعمر منازل ومستشفيات وفنادق وشوارع ومدارس. ولتسديد قيمة مسروقات أحمد الجلبي للأردن. من يريد أكثر من هذا ليعيش بسلام؟ لعل العراقيين يعون الدرس فيتحولوا من ثوريين إلى خليجيين. من عرب المركز إلى عرب الأطراف. يلتفوا حول نفطهم ويؤسسوا قنوات لاذكر فيها للعلوج والطراطير. ويشاركوا في مهرجانات الأغاني ومهرجانات التسوق وينشئوا مجلات للشعر الشعبي ويشتروا (جموس ولاند كروزر)، ويسافروا إلى لندن وماليزيا، ومكانهم في دورة الخليج محفوظ.
فاكس 4702164
|