هذه التجارب المريرة، وهذه الانكسارات الكبيرة، وهذه النكسات الخطيرة، وهذه اللَّدغات من جُحْر التبعيَّة التي تجاوزت أضعاف ما يحتمله عقل عاقل وبصر بصير، أما لذلك كلِّه أثرٌ فيك يا أمة الإسلام؟، ألم تستيقظ مشاعرك الإيمانية؟ ألم يتحرك إحساسك بالمسؤولية؟، أليس ذلك كافياً لإخراجك من سراديب التبعيَّة، وكهوف الانهزامية؟؟.
يا أمَّة الإسلام: لقد أصبحتِ حقل تجارب للأفكار المنحرفة، والمذاهب الوضعيَّة الضالَّة، والقوانين الغربيَّة الزائفة، أسرفت يا أمتنا الغالية في غفلة مؤلمة، ولهوٍ قاتل، وميلٍ إلى الهوى، وخدعك بريقٌُ كاذبٌ ليس وراءه إلا الظلام الدامس، والدُّخان القاتل، والغبار المتراكم على بعضه، فإلى متى تبقين مخدوعةً بذلك البريق الذي ينبعث من أضواءٍ غربيَّة كاشفة تشتعل فيها الرذائل والأباطيل؟؟.
جرَّب فيك أعداؤك البعيدون والقريبون كلَّ ما أنتجتْه مدنيَّة هذا العصر من فكرٍ غير مستقيم، وقانون غير حكيم، ومعتقدٍ فاسد، ورؤية ثقافية منحرفة، وأدبٍ ساقطٍ رخيص، جرَّبوا فيكِ كل آلةٍ قاتلة، وسلاحٍ فتَّاك، حتى أصبحتِ يا أمة الأسلام لأعدائك مثل حقول تجارب الفئران التي لا تعني لمن يستخدمها إلا الحصول على النتائج العلمية مقابل موتها وفنائها.
إلى متى أيتها الغالية تبيعين نفسك للصوص المدنيَّة المعاصرة بثمن بخسٍ «مؤامرات ومناورات ووعودٍ كاذبات»؟.
يا أمَّة الإسلام، قفي مع نفسك الغالية علينا، الكريمة العزيزة عندنا، اسأليها عن مرحلة الضياع التي مضت، وعن نتائجها التي وقعت، اسأليها عن الاشتراكية التي فرضها عليك الضالُّون من أبنائك، المنبهرون بها وبمن وضعها من أصحاب الحقد اليهودي الذين لا يريدون خيراً للعالم كلِّه، الاشتراكية التي طُرد من أجلها من عقلاء الأمة ومفكريها ومصلحيها من طُرد، وقُتل منهم مَنْ قتل، وسُجن منهم مَنْ سُجن، وشُنقَ مَنْ شُنقْ، ثم تبيَّن للمخدوعين أنها وهْمٌ كاذبُ، وأنها لا تعني إلا ترسيخ معنى الطبقية تحت شعار القضاء هلى الطبقية، ولا تعنى إلا زيادة حجم الفقراء تحت شعار إغناء الفقراء.
اسألي نفسك يا أمَّة الإسلام عن الشيوعية الكافرة الملحدة التي جلبها إليك من طمس الله بصائرهم من ابنائك تحت شعارات التقدُّمية ومحاربة الرجعيَّة، ثم تبيَّن لكل مغرورٍ بها أنها ضياع وصراعٌ، وعُنْفٌ وقتلٌ وسَحْلٌ، وظلماتُ بعضها فوق بعض.
اسألي نفسك يا أمة الإسلام عن العلمانية «اللاّدينية» التي جعلتكِ في غفلةٍ منك تسمعين من بعض ولاة الأمر فيك من يرفع بها صوته مكابراً مجاهراً، «لا دين في الدولة الدين في المسجد ولا مكان له في السياسة لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة..»، وانساق وراء هذا الاتجاه المنحرف عن المنهج الصحيح، المصادم للفطرة السليمة من أبناء المسلمين من انساق.
اسألي نفسك يا أمة الإسلام عن القومية العربية المنحرفة التي جعلها دعاتها ديناً مقام دين الإسلام، وبنوا عليها أهداف بعث الأمة العربية الزائفة، ومزجوها بما شذَّ من العلمانية والاشتراكية واليسارية الدَّموية، وأنشأوا بها أحزاباً ضالَّةً مضلّة تصادر الحريات، وتحارب القيم والمبادىء الصحيحة، وتقتل بلا رحمة كلَّ من يعارضها، أو يقدِّم النصيحة لها.
اسألي نفسك يا أمة الإسلام عن الحَدَاثة بما تحمله من تمرُّد وتحطيم لثوابتك الدينية الراسخة، وعن الوجودية التي تجعل الوجود إلهاً من دون الله، وعن العبثية التي تجعل حياة الناس كحياة الحيوان، وعن الاتجاهات «اللاَّ أخلاقية» التي تبيح المسكرات والمنكرات، وتقدِّم النساء الكاسيات العاريات نماذج يندى لها جبين الفضيلة، وتُغمَض أمامها أجفانُ الأخلاق النبيلة.
يا أمة الإسلام، تهاوى ذلك الزَّيْفُ كلُّه، وسقط ذلك الضلال كلُّه، وأمامك الآن لوحة كبيرة تحمل سؤالاً كبيراً: «إلى أين تتجهين يا أمة الإسلام»؟.
أما زلتِ بحاجةٍ إلى تجارب داميةٍ أخرى؟، أما زال أديمك الممزَّق قادراً على استقبال طعنات خناجر الانحراف العقدي والفكري والاجتماعي؟
أما زالت روحك المتعبة مستعدّةً لتجاربَ أخرى تُلقي بك بين براثن الوحش المفترس المصنوع من أوحال الحقد الصليبي الصهيوني البغيض؟
إلى أين يا أمَّة الإسلام؟؟
لقد سقطت كلُّ الأقنعة، وظهرت الوجوه الكالحة التي يجلب منظرُها البؤس والشقاء، وبرزت تلك الأيدي المخضَّبة بالدِّماء التي لا تعرف معنىً لطهارة الوضوء، ولا تحسن الإمساكَ بزهرةٍ، تقدِّمها لبريء.
فهل بعد هذا يجوز لكِ أن تركضي وراء الذين يسوقونك إلى مهاوي الرَّدى، ناسيةً أنَّكِ أمة الحقِّ والهُدى.
الطريق محدَّد المعالم، واضحُ الغاية، معروف النهاية إنَّه طريق سعادتك وسعادة البشرية كلِّها، فانطلقي يه على بركة الله.
{ان الدين عند الله الاسلام}.
{وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه}.
إشارة:
من عيوب الأنام أن يتساوى منهج الحقِّ والرُّكام الحقيرُ قلْ لمن غرَّه النعيم وولَّى في ضلالٍ: إنَّ الزَّمان َ يدورُ
|
|