بعض الفضائيات تحترم المشاهد، وتتوقع اختلاف الاهتمامات عنده، بمثل ما تتوقع اختلاف مستويات الادراك، والوعي، بل الثقافة والعلم... فلا تقدم له ارتجالاً، ولا تنوع له تسطحاً...
والمتابع للفضائيات في هذه الفترة على وجه التخصيص منذ بدأت حرب «احتلال» العراق، وحتى تمَّت الحرب، وما هو عليه واقع الأحداث وما سوف تستشرفه يجد أن وسائل الإعلام أكثر الجهات تفاعلاً معها وفيها وبها...
ولئن كانت هذه الوسائل هي مصادر الخبر والمعلومة والرأي إلاَّ أنَّ سيرورة الأحداث ومن يقومون بامتلاك مفاتيحها وأقفالها قد سلبوا منها هذه الخاصيَّة، وحرموها من صفة «المصدر»، إذ غدت وسائل الإعلام مجرد «ناقل» لما يُراد، منفِّذ لما تشاء القيادة الوسطى!!، وهناك مؤشرات عقابية لمن حاول الانفلات على هذه القيادة إمَّا بالقصف والقتل، وإمَّا بالإيقاف والإبعاد، وإمَّا بفرض ما يذاع ومنع ما لا يرغب في عرضه.
إلاَّ أن هذه الفضائيات على وجه التحديد إن لم تكن تملك أمرها في كافَّة جوانب أدوارها ومسؤولياتها إلاَّ أنَّها تملك الجزء الكبير منه على الأقل في تناول الأحداث بالتحليل والعرض واستقطاب الشخصيات ذات الخبرات العسكرية والمباحثاتية والاستخباراتية والتخطيطية بل تلك التي يمكنها قراءة الأحداث من خلال الواقع وما فيه من تداخل حقائق وتناقض أقوال وأفعال، وشهادات صور واقعية ونتائج قائمة على الأقل في شكلها الأوليِّ المبدئي لما يمكن أن تسفر عنه بقايا المخبوءات خلف منصة التَّصريح سواء جاء به الوجِّه الأول للحرب في شخصي بوش وبلير، أو وزيري الدفاع والخارجية أو الناطقين باسم القيادة الوسطى أو العسكرية!!
فكيف للسرِّ الذي خفاه هذا العدد ألاَّ تخرج به وسائل الإعلام بدقَّته وتفاصيله من مبدأ: إن خرج السر عن اثنين شاع؟!
فهو لم يعد بين اثنين إلاَّ بقدر ما استطاع الهدف الأكبر الذي جمع هؤلاء عليه فأصبحوا في أمره كالشخص الواحد؟ بحيث عجزت وسائل الإعلام عن اقتحامه على الأقل في صورته الصحيحة حتى لو دفعت في سبيل اظهاره غالياً؟
الإعلام في حرب العراق لم ينجح نجاحاً عالياً، كما أنَّ فضائياته لم تستطع حتى الآن أن تثبت الرسالة الأساس له. وتبقى هناك بعض هذه الفضائيات الآن التي ذهبت للتحليل والنقاش وتتبع الخيوط هي التي على الأقل تحترم فئات من مشاهديها...
بينما الأخرى عادت لعرض الأفلام والأغاني على أنين جروح منكوبي العراق ومشرَّديه.
|