|
وكانوا يزنون انفسهم دائماً بميزان الكتاب والسنة، فما وجدوا من زيغ او عوج قوموه في الحال بالرجوع والانابة، وكانوا يردون كل ما اختلفوا فيه من كل شيء الى كتاب الله وسنة رسوله لا الى قول فلان ورأي فلان، لان الله تعالى يقول {..فّإن تّنّازّعًتٍمً فٌي شّيًءُ فّرٍدٍَوهٍ إلّى اللّهٌ وّالرَّسٍولٌ إن كٍنتٍمً تٍؤًمٌنٍونّ بٌاللَّهٌ وّالًيّوًمٌ الآخٌرٌ ذّلٌكّ خّيًرِ وّأّحًسّنٍ تّأًوٌيلاْ } [النساء: 59] . وكانوا لا يقرون احداً على باطل او منكر ولا يسكتون على مخالفة صريحة للدين ولا يتساهلون مع احد في حق الله ولا يترضون احداً فيما يسخطه الله. بتلك الصفات قاد المسلمون الاولون الامة المحمدية الى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وبسير العلماء المخلصين والامراء المصلحين على هداهم سادوا اغلب اجزاء المعمورة من هذه الارض، بالعدل والاحسان وما رفعهم الى تلك المنزل العالية، الا انهم كانوا مقيمين لشرع الله حاضرين في كل ميدان، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وفهموا الجهاد الواسع، فجاهدوا في جميع ميادينه، فوضع الله لهم القبول في الارض. نصر الله اولئك الرجال، الذين كانوا يوم الرأي صدور محافل، ويوم الروع قادة جحافل. فلقد كانوا يقذفون بكلمة الحق مجلجلة على الباطل، فاذا الحق ظاهر، واذا الباطل نافر ويقذفون بعزائهم في مزدحم الايمان والفكر، فاذا الايمان منصور، واذا الكفر مكسور. ان تلك القوة التي كانت في نفوس الصحابة لم تمت، وانما هي كامنة، فهي في كنف القرآن آمنة وما دامت نفحات القرآن تلامس العقول الصافية، وتلابس النفوس الزكية، فلابد من يوم يتحرك فيه المسلمون فيأتون بالاعاجيب، {فٌي بٌضًعٌ سٌنٌينّ لٌلَّهٌ الأّمًرٍ مٌن قّبًلٍ وّمٌنً بّعًدٍ وّيّوًمّئٌذُ يّفًرّحٍ المٍؤًمٌنٍونّ (4) بٌنّصًرٌ اللهٌ يّنصٍرٍ مّن يّشّاءٍ وّهٍوّ العّزٌيزٍ الرَّحٌيمٍ } [الروم: 5] . ولكن علينا ان نعمر القلوب والبيوت والمجتمعات بمعاني الاسلام التي قام بها الصحابة. فلا دين الا دين الحق، ولا طريقة الا طريق القرآن، ولا نزعة الا نزعة المجد والسمو، ولا عاطفة الا عاطفة المحبة والخير، ولا غاية الا نشر الاسلام والطمأنينة في هذا العالم المضطرب. وان تفريط المسلمين في هذه الحقائق يتسبب في تقليد العدو سلاحاً قتالاً، يدمر به من امامه، ان المسلمين لا يستطيعون ان يدفعوا هذه الجيوش المغيرة عليهم، وعلى دينهم الا اذا علموا ما يراد بهم وفقهوا الغايات لهذه الغارات، ووقفوا في وجهها بجميع قواهم الايمانية والمعنوية، وساروا على نهج اسلافهم. فحصانة الايمان والاجتماع والتآلف، واقامة الدين لا تهزها الجموع المجمعة، ولو كان بعضها لبعض ظهيراً، ونحن في بلاد الحرمين نسير - بحمد الله - على النهج الذي سار عليه سلف الامة وما علينا الا ان نحافظ على هذه النعمة التي من الله بها علينا، وذلك برجوعنا الي ربنا وتمسكنا بديننا واعتمادنا على الله وتوكلنا عليه. فالاسلام دين الحق، وما الحق الا ان نتحد، ونسعى بلا فتور، ما الحق الا ان نتعاون ونجتمع، ما الحق الا ان ندع التخاذل جانباً ونتصافح على الاستماتة في سبيل الحق والدفاع عن الدين ما الحق الا ان نزن الاشياء بموازينها، فلا ندع المجال للظنون والاوهام، فان الظن والوهم مرض من امراض النفوس ما فشا في امة الا كان عاقبة امرها خسرا. فنحن احوج ما نكون اليه في هذا الظرف من الزمان، الذي تداعت فيه امم الكفر على الاسلام، وكثرت فيه المبادئ العاملة على هدم الاخلاق وكثرت فيه العقول التي تستمرئ الرذيلة على الفضيلة، وتثير الفتنة في بلاد المسلمين. ما احوجنا ان نجتمع على الحق، ونقوي ايماننا، ونتوكل على الله فهو حسبنا ونعم الوكيل، وما على الغافلين الا ان يستقيظوا، وما على المذنبين الا ان يقلعوا، وما على المطيعين الا ان يثبتوا، وما على القانطين والمستيئسين الا ان يستبشروا ويتفاءلوا، وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم. ونسأل الله ان يتولانا جميعاً بهداه وتوفيقه ويجنبنا فتن الغرور، والزيغ، والضلال، ويقينا شرور انفسنا ويعصمنا من الاراء المضلة ويرد عنا كيد عدونا، ويثبتنا على الحق والهدى حتى نلقاه على الحق المبين لا مبدلين ولا مغيرين. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |