اطلعت في عدد الجزيرة «11131» ليوم الجمعة 18/1/1424هـ على موضوع للأخ عبدالله الغبيهب بعنوان «هذا ما نريد من الكتَّاب».. والحقيقة أن الأخ عبدالله أشار إلى قضية جدُّ هامة تتعلق بالكتابة.. فالكثير من حولي يستفهم: أريد أن أكتب! كيف أكتب؟ لماذا لا نستطيع أن نكتب كما هم كتَّاب العزيزة المبدعين.. وغيرهم من الكتَّاب عبر الجزيرة؟.. سيل من الأسئلة والتي تهاجم مخيلتي لحظة قراءة القراء لنبضي.. فأحببت أن تكون لي مساهمة في إيضاح بعض الحقائق وأسباب عدم استطاعتنا الكتابة.. كمحاولة كتابية متواضعة أرجو من الله التوفيق فيها.. وعسى أن أحقق منها جزءاً من استفهامات ورغبات الأخ الكريم عبدالله الغبيهب والذي أشكره بحق على عرضه لموضوع حساس كهذا.. في البداية.. الكتابة عملية.. ومهنة تتخللها مسؤوليات كثيرة.. وتبدأ بمصاعب حول هم الكتابة.. وهي لا تنطلق إلا من أبجديات القراءة.. فهي لا تولد في نظري.. إلا من نتاج القراءة المستمرة والتي تنجب مثقفاً.. عالماً.. كاتباً آراؤه عبر كلمات وأحرف يجدر به أن يستشعر الأمانة في نزفها..ولأنه يجب أن نتلمس كل ما يحيط بمن حولنا من هموم حول الكتابة فهذا ما لمسناه من قراء كتاباتنا.. الكل يدرك هدفاً لكتابته لموضوع ما. وهناك من يطلق عبارات لايدرك كنهها فيقول: «أيها الكتُّاب لماذا تكتبون»!!؟
وأذكر أني صدمت بأسئلة كهذه.. من الكثيرين.. فمثل هذا ما الذي يجبره أن يدور في حلقة مفرغة حتى لا يعلم ما الذي دعاه ودعانا إلى كتابة موضوع ما!! أجزم أنَّ هدفنا الإفادة أو الاستزادة في تصحيح بعض المعلومات ومناقشة بعض سلوكيات المجتمع الخاطئة..
وهذا ما لمسته من كتَّاب الجزيرة وكتَّاب «عزيزتي الجزيرة» بأقلامهم المبدعة!!
عزيزي الكاتب:
ليكن الهدف من كتابتك وصفِّك مجموعة من المفردات هدفاً سامياً في ذروته وقمته الهدف الدعوي.. أن تحمل هماً إسلامياً.. ثم لتستشعر الهدف الآخر أيضاً ألا وهو «احترام القارئ» وذلك بأن تقدِّم له الفائدة المرجوة من خلال ما تكتبه.. فاحترام عقلية القارئ من أولوياتنا ككتَّاب.. أدرك أنَّ هناك مجالات إبداع أدبية وتدخل فيها الكتابة الذاتية وهنا تظهر فيها مهارة الكاتب بسرد آرائه وأفكاره وموقفه في الحياة بأسلوب جميل.. وهذا أمر محمود ولون من ألوان الأدب!!
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة.. كيف أكتب؟ ولماذا لا نستطيع الكتابة؟ فأنت عندما تقرأ مقالاً أو قصيدة أو أي عملٍ أدبي تسند رأسك نحو أفقك وتتساءل في كثير من الأسف: «لماذا لا أستطيع أن أكتب مثل هذا.. أو مثل فلان؟ لماذا لا يمكنني أن أعبر عن أفكاري ومشاعري بمثل هذا؟ والنتيجة في أكثر الأحوال.. آهة.. وحسرة!! ويمكنني أن أستخلص الأسباب خلف عدم استطاعتنا الكتابة إلى ثلاثة أسباب:
أولاها: انه ليست لدينا أفكار.. أقصد الأفكار الواضحة والمحددة والمبنية على أسس فكرية صحيحة.. إذ لا بد من التفاعل بين العقل البشري مع ما حوله من مدركات في هذا العام لننتج الفكرة في ظل تواجد الأدوات الفكرية والذهنية.
ثانياً: لأنه ليس لدينا أسلوب نقدم به هذه الأفكار.. والأسلوب لا يمكن بناؤه إلا من خلال الاطلاع الواسع والمتنوع على معارف شتى وأساليب متعددة وخاصة الأدبية منها مع الاطلاع على أصول الكتابة والفنون الأدبية ومن ثم التدرب والتمرس على الكتابة.. مع الصبر على الخطأ والنقد والاستمرار في التصحيح إذ أن إحساسك أنك وصلت إلى القمة هو بداية الطريق إلى الهاوية.
وقد أشار الأستاذ أحمد الهاشمي - رحمه الله - في مقدمة كتابه المعروف «جواهر الأدب» إلى شيء من طرق تكوين الأساليب.. ولقد أشار إلى أركان علم الأدب ومنها قوى العقل الغريزية الذكاء والخيال والحافظة والحس والذوق.. ولا يحبطنك مثل هذا.. فكل هذه القوى يمكن لك تنميتها بطرق متعددة، علماً أن كثيراً من كتَّاب هذا العصر لا يملكون شيئاً من الخيال أو الحس أو الذوق ومع ذلك يجدون مكانا فسيحاً في أروقة صحافتنا العامرة!!
ثالثاً: كيف تنشر ما كتبت.. فأنت يمكنك كتابة ما تفكر به ولكنك قد لا تنشر ما تكتبه إما لأنك تخاف النشر.. أو لعدم وجود من ينشر لك وإما لعلة فيما كتبت أو لعلة في الاتصال بوسائل النشر.. فهناك الكثيرين.. تركوا أدراجاً مغلقة بعد وفاتهم.. وفيها من التراث الأدبي الرائع. ولكن.. أنت عزيزي القارئ: هل جربت نشوة الكتابة؟ ستجدها رائعة كلما رفعت قلمك عن الورق كاتباً «انتهى»، إنها نشوة يعرفها الكتاب والصحفيون، وتجعلهم يصرون على كل متاعب القلم، ولن أتحدث عن هذه المتاعب.. قبل أن تخوضوا التجربة بكاملها.. ولمن كتب وعرف الطريق، لا أعتقد أنه يمكنك أن تكون بلا حنين للقلم، أما أولئك الذين يفكرون جدياً بحمل هذا القلم فأقول لهم: «جربوا.. وأنتم من سينال ثمرة النهاية».
ودائماً ما أخاطب قلمي: «قل لي يا قلمي.. إلى أي وقت تستطيع التوقف..؟ إلى أي وقت يتجمد الدم الأزرق في عروقك.. وإلى أي وقت يبقى الورق الأبيض نظيفاً إلى متى؟ إلى متى؟ نعم كيف نكتب.. هذا ما يريد الاجابة عليه الكثير من القراء؟
فهناك من يمتلك الفكرة.. والحس الإسلامي والأدبي والاجتماعي ولكن يعجز عن التعبير عما بداخله بأسلوب جميل.. ولعلكم تعلمون أنه يهمني كيف أكتب؟ ومتى أكتب؟ أمَّا لماذا؟ فأعتقدها.. تهمش دوري ككاتب؟ نعم متى تكون كتابتك في موقع الحدث.. تكتب عن هم من هموم اخوانك المسلمين المشردين في كل مكان.. تكتب في حل قضية اجتماعية.. هذا هو هدفنا!!.
ولكن لعل ما ألحظه عند الكثير من الكتَّاب أو من يحاول لمجرد الكتابة أنه «يخشى النقد» من كتَّاب هذه الصفحات أو غيرها من الصحف.. وعندها أقول له: «عندما تتساقط كلماتك على صفحات «عزيزتي» كما تتساقط الأمطار على الأرض معبرةً عن واقعك.. ووجدانك مفسرة بحوراً من المفاهيم والمعاني التي تختلج داخلك.. لتعبر من خلال سطور الورق.. مسافات المعرفة والثقافة والأدب.. ولتصل كلماتك لشواطئ عقولنا.. صافية بلا رتوش أو تزييف عندها تكون كلماتك وأحرفك «سفينة محملة بالكنوز» ويكون لمدادكم أو حتى رسائلكم عنوان صادق يعبر بنا مسافة كبيرة من مسافات الثقافة لأننا نثق في أقلاكم.. وأفكاركم.. وننتظر المزيد والمفيد، فحاجتنا للمعرفة والكلمة البناءة كحاجتنا إلى الطعام والشراب.. إذاً المعرفة نور يضيء دروبنا ليخرجنا من ظلام الجهل والتخلف ولترفعنا درجات عن الآخرين.. بالقدرة على التصرف والفهم والإدراك والوعي.
فالكلمة تكون ثقيلة إذا كانت بلا معنى وتكون خفيفة إذا كانت ذات معنى.. وهنا أخاطبكم «قراء عزيزتي» منادياً: «اكتبوا.. اكتبوا وهبوا «عزيزتي» عصارة أفكاركم النيرة.. وتحسسوا خطواتكم من خلال سيركم مع كل مقال تكتبونه.. فلا تقفزوا قفزة واحدة.. لأن القفز يفضي إلى المخاطر.. والمخاطر تحول دون الاستمرارية.. فتتوقف عندها الآمال والأحلام.. وتلك الإبداعات المنهمرة.. وهذا ما لا نرضاه لكم. بل نريد الاستمرار والتقدم.. فاكتبوا.. واصبروا.. وضعوا نصب أعينكم قول الشاعر:
لأستسلهنَّ الصعب أو أدرك المُنى فما انقادت الآمال إلا لصابر
|
اكتبوا.. فمهما بدت المقدمات متواضعة.. والخطى الأولى متعثرة.. إلا أنها سوف تأتي حاسمة وفاصلة في النهاية بمشيئة الله.
ولمن فكر اعتزال الكتابة: خشية النقد أقول له ولكل من يخاف النقد: «لماذا نخاف النقد.. ذلك أنَّكم جعلتم شيئاً فاصلاً يحول بينكم وبين ذاتكم!! تخشون النقد وتخافونه!! والنتيجة إحجام عن الكتابة!! تنفصم.. أواصر العلاقة فيما بين القلم والورقة!! والنتيجة نتاج ضئيل ومحدود!! ونحن نطمح لعمل إبداعي نشيط!!؟
أخاطبكم وبكل صراحة: أقرأتم كتاباً هادفاً.. تسلكون فيه منهجاً صحيحاً نحو عمل إبداعي جديد؟ وهل فكرتم بالكتابة وقتها؟ أهممتهم باستلال أقلامكم من غمدها لتكتبوا - على الأقل - سطوراً يتيمة تعانقون بها «أسطر عزيزتي».. تفرضون بها وجهة نظركم؟ كأني بكم تهمهمون.. وتنطقون بلا..! فلم هذا الجمود الإبداعي؟ أعتقد في قرارة نفسي أنَّ منبع ذلك هو ذاك !! مخافة مواجهة النقد؟ هذه سنة الحياة.. مع القلم والورق وتكون تلك المصاعب بمثابة المصاعب والحواجز التي تواجه الكاتب.. وما عليك إلا تحديها ومواصلة عشق الكتابة!! إذ لا بد من نقد يوجه كتاباتكم إلى بر الأمان!! ذلك أنَّ النقد البناء كطبيب يكشف عن سقمكم!! نحن نتقبل النقد البناء. ونأبى كل ما بجانب الصواب!! إن النقد وسيلة للبناء وليس للسب والتجريح فلماذا نستوحش من النقد ونعده شبحاً مخيفاً، ولكن يجب على مستخدمه أن لا يجعله خنجراً يطعن به كل من خالف وجهة نظره.. فالنقد غير التجريح والإساءة..
أما أنا فكنت ولا زلت.. أكتب بمداد حروف تشكو الضيم والهجران.. ومع تسابق الأيام وتخاطفها.. أجد أنَّ الصمت في أكثر الحالات أبلغ من الكلمات المحنطة والحروف النازفة بلا حدود.. وأجدني اتخذته موقفا مع عشقي في صفحات الإبداع «عزيزتي الجزيرة».
وما تلبث الأيام تجري وأقلامنا تسعى في أثرها تخط الورق.. لتضع في الاعتبار أن الكلمة مسؤولية.. وأن المسؤولية مواجهة للواقع أو المفروض أو المطروح على ساحة المناقشة.. على بساط «عزيزتي».
قرائي الأعزاء:
الكلمة في أكثر الحالات تفاؤلاً مساهمة لابد من الاعتراف بدورها دون هروب أو سقوط، وكثيراً ما تداهمني أوجاع وآلام تندد بواقعي الأليم.. وتفرض عليَّ أن أكتب «لعزيزتي».. ودائماً أسأل نفسي.. والسؤال موجه لكم أيضاً:
* هل يواجه الكاتب الحقيقة يوماً بلا خوف؟
* هل يعيش الواقع من أعماق نزفه المتواصل؟
* هل يغمس الكاتب قلمه في أعماق الوجود بحثاً عن الحروف المفعمة بالألم، الدافقة بالحقيقة، المضيئة كالشمس؟ أم بحثاً عن الكلمات المدبجة الفضفاضة لاستعراض مهارته أم تراه يتحول إلى موسوعة يكتب عن الجديد والمثير في نفس الوقت.
عفواً أريد إجابة وافية.
وختاماً أشكر الأخ عبدالله على طرحه لموضوع حساس كهذا وأرجو أن أكون أبنت شيئاً مما يريد.. ولمن فكرَّ بالكتابة أقول له: تمثل دائماً قول الشاعر:
وما من كاتبٍ إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداهُ فلا تكتب بكفك غير شيء يسرُّك في القيامة أن تراهُ
|
سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي
|