قبل الغزو الامريكي والبريطاني الاخير على العراق، طرح الأمير عبدالله بن عبدالعزيز على الساحة العربية افكاراً وآراءً تتعلق بإصلاح اوضاع الانظمة العربية من الداخل وإعادة صياغة الانظمة الداخلية بما يتلاءم والظروف التي بدأت تلوح في سماء المنطقة، فكان لابد من وقوف الدول العربية مع واقعها وقفة صادقة بموضوعية وعقلانية بعيداً عن استجرار الماضي الذي بدأ بالتغير فعلاً بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن هذه الافكار أُّجل النظر فيها واتخاذ قرارات بشأنها من اعضاء القمة العربية. ومع ان المعلن حول فحوى تلك الافكار قليل جداً إلا ان من يعرفون صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله والخط السياسي الذي ينتهجه لايذهبون بعيداً في الظن حول حقيقة هذه الافكار، وذلك من جهة استمدادها، فهي لابد ان تكون مستمدة من قيمنا الاسلامية المقدسة ومن تقدير المصالح الثابتة للأمتين العربية والاسلامية ومن جهة ما تهدف اليه وهو تحقيق المصلحة العليا للأمة العربية والاسلامية في عصر يموج بالمتغيرات تباعاً وبسرعة مذهلة.
ان هذه الرؤية الحية التي يراد منها بعث الحياة في جسد الأمة والاضطلاع بدورها المنوط بها بين أمم العالم، لايجوز لنا كعرب ومسلمين ان نسمح لليائسين والقانطين بإيقافها، فهؤلاء هم من يعيشون داخل ابراجهم العاجية بعيداً عن استقراء التاريخ واستلهام العبر والدروس منه، وهؤلاء قد تفاجئهم سرعة المتغيرات والاحداث المتلاحقة كما فاجأت غيرهم. إن هؤلاء هم من يظنون ان الحياة قد توقفت عند شخوصهم وعلومهم وافكارهم فليس وراء ذلك مزيد، وهؤلاء قد حكموا على انفسهم بالموت المعجل وحكموا على اممهم بالفشل والهوان.
ان هذه الافكار والرؤى لتعطي مثالاً صادقاً وواضحاً على حكمة القيادة في بلادنا وحرصها على ما يحقق الأمن والعزة لجميع العرب والمسلمين، وان الاخذ بمعطيات التقدم والحضارة مع التمسك بالقيم والثوابت وعدم القفز عليها ومعاكسة الأمة في فطرتها ومبادئها هو ما يجب ان يكون وهو امر ممكن وليس بمستحيل متى ما خلصت النيات وصدقت التوجهات.
وقد صرح خادم الحرمين الشريفين في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الأمير عبدالله قبل الغزو الامريكي على العراق فقال «لولا الظروف العربية الراهنة لكان لنا موقف آخر من الاحداث» أهـ.
فالأخطاء دائماً تقود الى الأخطاء وإنما تكون العاقبة الحميدة في الرجوع عنها وعدم تكرارها، فهل يستجيب المتنفذون والساسة العرب الى صوت العدل والحكمة بعيداً عن المكابرة والمهاترات الجوفاء؟ وهل نرى فيهم نبل وفضل سلفهم من زعماء العرب الذين كانوا ينظرون الى السلطة والحكم على انها مغرم وليست مغنماً فاستطاعوا بهذا الفكر وهذا التصور حمل اعباء الامانة الثقيلة فاستراحوا من حسرات الدنيا وترك الله لهم لسان صدق في الآخرين، ومازالوا مثالاً لكل من وفقه الله ممن جاء بعدهم؟
وفق الله الجميع وحفظ بلاد الحرمين الشريفين بقيادة خادم الحرمين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني.
|