كنت استمع إلى أخبار إذاعة «العربية»، وكان من بين تلك الأخبار خبرٌ عن مغادرة الدُّوري ممثل العراق في الأمم المتحدة لواشنطن، ثم نقلت الإذاعة تصريحاً له بصوته قال فيه: «يجب على كل مواطن عربي أن يكون على مستوى الأحداث وعروبتنا تأمرنا بالصَّبر»، وقلت في نفسي: لو قال الرجل: إسلامنا يأمرنا بالصبر لكان أولى، فالصبر الذي يأمر به الإسلام هو الذي يواجه المحن والأحداث مواجهةً قويَّة، والصبر القبلي، والقومي لا يصمد صمود صبر الإيمان بالله واللجوء إليه، والاحتساب لأنَّ الله سبحانه وتعالى مع الصابرين المؤمنين المحتسبين، وليس معنى هذا الكلام أنَّ الصَّبر لا يؤتي ثماره إلاَّ عند الإنسان المسلم، فلكل صابرٍ نصيبٌ من ثمرة الصبر، ولكنَّ المراد أن صبر المسلم المؤمن بربِّه يكون أقوى وأدوم وأعظم أثَراً في الدنيا، مع انفراده بتحقُّق الأجر العظيم عليه في الآخرة.
ومرَّ ذلك اليوم الذي سمعت فيه تصريح محمد الدُّوري من خلال إذاعة «العربية»، وفي المساء رأيتُ الرَّجُلَ نفسَه، يُدلي بالتصريح نفسه وكانت مشاهدتي له من خلال أخبار «قناة المجد» دون تخطيط، فإذا بي أسمع تصريحه من خلال الشاشة كالتالي: «يجب على كل مواطنٍ عربي ومسلم أن يكون على مستوى الأحداث، فإسلامنا يأمرنا بالصبر، وعروبتنا تأمرنا بالصبر».
ولفت نظري هذا التصريح، وإنَّما لَفَتَ نظري لأنني كما ذكرتُ سابقاً سمعته من إذاعة العربية، وقلت في نفسي ما قلته منتقداً قول الرجل «وعروبتنا تأمرنا بالصبر» حينما سمعتها لوحدها هناك. وهنا أتوقف، وأدعو القارئ الكريم إلى التوقُّف معي قليلاً عند هذا التصريح الإعلامي لأنه يشير إلى قضية إعلامية مهمَّة تجعلنا نتساءل عن بعض العناصر البشرية التي تشتغل في مجال الإعلام.
لاحظوا معي كيف جاء تصريح الدُّوري في إذاعة العربية «يجب على كل مواطن عربي.... أن يكون على مستوى الأحداث.... وعروبتنا تأمرنا بالصَّبر»، ثم لاحظوا معي كيف جاء تصريح الرجل في قناة المجد، وهو التصريح ذاته الذي صرَّح به لوسائل الإعلام المسموعة والمرئيَّة صوتاً وصورة: «يجب على كل مواطن عربي (ومسلم) أن يكون على مستوى الأحداث (فإسلامنا يأمرنا بالصبر)، وعروبتنا تأمرنا بالصبر».
سؤال يطرح نفسه بلا غموض أين ذهبت كلمة «ومسلم» وكلمة «فإسلامنا يأمرنا بالصبر» من إذاعة «العربية»، وكيف سقطت الكلمتان مع بعضهما، ومن الذي جَرَف بمجرف «المونتاج» هاتين الكلمتين مع بعضهما؟؟ ولمصلحة مَنْ يتم حذفهما؟؟.
الأمر هنا ليس متعلِّقاً بكتاب مطبوع، ومقالةٍ مطبوعة في صحيفة، ولكنه متعلِّق بحديث مباشر بصوت الرَّجُل نقلته الإذاعات والقنوات الفضائية فلا مجال هنا للحديث عن الأخطاء الطباعية، ولا مجال لعبارة «سقط سَهْواً» بل المجال أن يقال «سقط عمداً»، فلماذا سقط عمداً؟؟.
ربما تكون المسؤولية متعلِّقة بمخرجٍ أو فنّي ليس له علاقة بالكلمتين اللتين سقطتا «مسلم وإسلامنا»، وعند ذلك تكون مسؤولية الإذاعة في أهمية اختيار الأشخاص، والحيلولة دون تحكُّم «مذهبيَّة إعلامية» مقيتة يمكن أن يكون لها دورٌ في الإساءة للإذاعة من حيث لا تشعر، ولا يشعر أصحابها والقائمون عليها، وهذا أمرٌ لفت نظري قدراً من غير تعمُّدٍ للمتابعة فماذا ستكون النتيجة لو أردنا المتابعة؟؟.
إنَّ الإسلام هو الحلُّ الوحيد لقضايا الأمة كلِّها، وبه ينال الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين حقوقهم الضائعة في عصر العولمة الغاشمة.
إشارة
هل يمكن لإذاعة وقناة «العربية» أن توقف طوفان «لبْنَنَةِ» اللغة، لتكون اسماً على مسمَّى؟؟.
|