* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان انور طارق محيي:
حالة من الترقب والقلق من مصير غامض للعراق يعيشه العالم العربي على إثر السيطرة على بغداد والانهيار المفاجئ للمقاومة فبعد ان وضعت الحرب معظم اوزارها انفتحت ابواب التساؤلات على مصراعيها وجلها تدور حول سيناريوهات عراق ما بعد الحرب هذه السيناريوهات التي يشوبها تخوفات كثيرة سواء من مجيء حكومة مفروضة على الشعب العراقي أو من مخططات تحاك بعيدا عن أرض العراق ويذهب المحللون انه رغم غموض ما تحمله الأيام القادمة إلا انه يجب ان يكون هناك دور عربي قوي وعدم ترك أمور العراق في يد الولايات المتحدة فهناك ثوابت يجب التأكيد عليها وهي ان الشعب العراقي يقرر مصيره بنفسه ويختار من يحكمه كذلك العمل على انهاء تواجد القوات الأجنبية والاحتلال في العراق والتصدي للمخططات الرامية لتقسيم العراق والمنطقة حول سيناريوهات ما بعد صدام.
التقت «الجزيرة» نخبة من المحللين السياسيين والمفكرين وخبراء الاستراتيجية يؤكد الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات العربية بمجلس الشعب المصري ان سيناريوهات عراق ما بعد صدام لم تتخذ ملامحها بدقة بعد ان كانت هناك مسارات أساسية يجب التعامل معها وهي أولا اعادة الثقة بين العراقيين انفسهم وهذا يحتاج لجهود كبيرة في هذه المرحلة ثانيا هناك الدعوة لكافة الفعاليات العراقية والطائفية ايضا هناك ضرورة اعادة صياغة النظام العربي والمؤسسات العربية بما يتمشى مع المعطيات الدولية وهذا يتطلب رفض تكريس الاحتلال ويتم بناء المؤسسات والبني التحتية في العراق كما ان هناك اشكالية عدم الاعتراف بأي سلطة تأتي بالقوة كل هذه المسارات ستشهدها المرحلة القادمة ويجب التعامل معها قبل الحديث عن سيناريوهات مستقبلية عامة في العراق.
الكاتب والمفكر عاطف الغمري يقول: لا استبق وجود اصابع اسرائيلية في عراق ما بعد صدام وما يخطط للمنطقة في المرحلة القادمة والتي تعتبر بدايتها نموذج العراق والذي سيكون الجنرال جارنز مسؤولا عن تشكيله وهناك اوجه تشابه كبيرة من ناحية الفكر السياسي والتطبيق العملي بدأت تظهر بين اهداف الحرب على العراق وبين ما يجري في الاراضي الفلسطينية على شارون ففي فترة تصعيد الحرب الاسرائيلية كان هناك تصريح لقائد سلاح الجو الاسرائيلي يقول ان حرب العراق تتجاوز في معناها الحدود الجغرافية للمكان الذي تدور فيه ثم تصريح شارون عقب السيطرة على بغداد بأن على الفلسطينيين أخذ العبرة مما حدث للعراق واعتقد ان الفترة القادمة ستشهد هزة كبيرة تتجاوز الحدود الجغرافية تحدت خلخلة في العالم العربي بما يؤدي إلى اعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة وان يكون لإسرائيل فيها وضع اساسي من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية ويعزز ذلك المفاهيم التي تكررت بالصياغة نفسها في العراق حيث بدأت بتغيير النظام كأحد اهداف الحرب ثم القول ان الحرب على العراق مجرد مدخل إلى العالم العربي لإحداث التغيير المطلوب وفكرة ان الحرب تتجاوز الحدود الجغرافية للمكان حسبما تحدث كولن باول عن اعادة رسم خريطة المنطقة وحديث الرئيس بوش في كلمته عن اقامة عراق يكون النموذج ومركز الالهام الذي ينتقل إلى العالم العربي وبأن خلخلة المنطقة هدف لإعادة رسم خريطتها الاقليمية. وإذا كان الجنرال جارنر سيكون المكلف بالخطة الرئيسية في خطوطها العامة للعراق بعد ان تنتهي الحرب وعلى ضوء ماهو معروف مسبقا من وجهات نظره تجاه إسرائيل والعرب فان من المنطق ان البرنامج السياسي لادارته للعراق سيكون متماشيا مع الاهداف الاصلية للحرب ومنها ترتيب الاوضاع بالشكل الذي يخدم إسرائيل والتي كان منها تنظيف المنطقة من حول إسرائيل وصياغة وضع اقليمي للعراق الذي سيكون منزوع السلاح ومنزوع السيادة الكاملة ضمن نظام اقليمي جديد.
نماذج سابقة
أما د. محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فيحذر من خطورة الطرح الأمريكي والرؤية الأمريكية الخاصة بالحكم في العراق بعد ازاحة نظام صدام حسين حيث اعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مرارا وتكرارا على لسان وزير خارجيتها كولن باول ومستشارة الامن القومي كوندا ليذار رايس بأنهم سيحكمون العراق كما حكموا اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية فقد تم تعيين حاكم عسكري امريكي على اليابان وقسمت المانيا إلى مناطق نفوذ في كل منطقة حاكم عسكري أمريكي وتمادى الامريكان فقد وضعوا وصاغوا الدساتير حددوا الاحزاب التي تنشأ وتوجهات النظام السياسي والسياسة الخارجية للدولتين اليابان والمانيا.
واوضح د. سليم أن الإدارة الأمريكية قد خلطت الاوراق وضللت الجميع حين طرحت النموذجين الياباني والالماني بعد الحرب العالمية الثانية واكدت ان تطبيق النموذج الأمريكي في اليابان والمانيا هو سبب تقدم هذه الدول بقولهم فلينظر الجميع إلى حال اليابان والمانيا الآن وهو ما يؤكد اصرار الإدارة الأمريكية والمسؤولين الامريكيين الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف على تعيين حاكم عسكري على العراق أو تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ ثلاث وتعيين حاكم عسكري لكل منطقة منها.
وواصل د. سليم تحذيره من محاولة تطبيق النموذج الياباني أو الألماني في العراق لأن العراق شعب له حضارة كبيرة تضرب في اعماق التاريخ وله قيم ومبادئ سامية وتحكمه المشاعر الدينية التي تحث على الجهاد ورفض العدوان عليه ومقاومة المحتل والدفاع عن الارض والعرض وهو ما يسوقنا إلى ان شعب العراق سيرفض الحكم العسكري الذي عانى منه كثيرا ولن يرضى إلا بحكم أبنائه وعن الطرح الخاص بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعة في الجنوب وسنة في الوسط واكراد في الشمال.
وقال د. سليم ان امريكا تريد مصالحها بالدرجة الاولى وان تقسيم العراق سيخدم بالطبع المصالح الأمريكية لكن هناك معارضة من الدول المجاورة خاصة تركيا التي أبدت من البداية مخاوفها الشديدة من زيادة نفوذ الاكراد في الشمال إضافة إلى ان تقسيم العراق سيضر بالامن القومي الاقليمي العربي وهو ما يجعل الدول العربية جميعها تعارض فكرة تقسيم العراق إلى دويلات ومن الممكن ان تجعلها الإدارة الأمريكية حكومة فيدرالية مركزية وحكومات فرعية ترعى كل منطقة ولكن ذلك سيقود في النهاية إلى فكرة التقسيم ايضا وما يترتب عليها من مخاطر.
وأشار د. سليم الى ان اهداف الإدارة الأمريكية من العراق ليس كما هو معلن تحرير الشعب العراقي من الحكم الديكتاتوري حكم صدام حسين الذي يهدد أمن جيرانه ويهدد منطقة الشرق الأوسط ولكن هدفها الرئيس هو السيطرة على بترول العراق وثرواته من هنا نرى ان الإدارة الأمريكية ستعيد ترتيب الاوضاع في العراق بما يخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية بالطريقه التي تراها مناسبة لخدمة هذه المصالح سواء بالتقسيم أو بتعيين حاكم عسكري أو حكومة من المعارضة بحيث تكون موالية للإدارة الأمريكية وترعى مصالحها في العراق.
غموض الموقف
ويرى السفير علي حجازي مساعد وزير الخارجية الاسبق للشؤون الآسيوية ان الموقف بكامله على النحو الذي يجري الآن في ضوء الاحداث المتلاحقة في قبضة الإدارة الأمريكية وان كان هناك عدة مقترحات اهمها السعي لتشكيل لجان دائمة بإشراف مباشر من عناصر امريكية سبق لها العمل في القوات المسلحة الأمريكية وبعضها الآخر عمل في وزارة الخارجية الأمريكية وذلك بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق هي المنطقة الجنوبية والوسطى والشمالية تحت الاشراف المباشر لقائد القوات الأمريكية في قاعدة السليلية بقطر ومن المرجح ان يتم اختيار بعض الشخصيات العراقية من عناصر المعارضة العراقية في الخارج للاستعانة بها في إدارة شؤون البلاد ودورها الفاعل في السيطرة والاستقرار بعدم تمام انتهاء سلطات الحكومة والنظام العراقي وبالتالي فان هذا الامر سيحسم في وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون وفقا للرؤية التي تحددها الإدارة الأمريكية بايجاد حلول سريعة للمشكلات والازمات الطارئة والملحة والعاجلة كالغذاء والدواء والامن والاستقرار في ربوع العراق بعد الانتهاء الكامل من الحكومة العراقية ومؤسساتها وايضا حزب البعث ومؤسساته وجميع الاجهزة الحكومية والامنية التابعة للنظام العراقي في ضوء ما حدث مؤخرا وكان مفاجأة غير متوقعة للعالم كله.
وأضاف حجازي انه من المقرر ان تكون هناك فترة انتقالية لم تحدد مدتها بعد سيتم تحديدها على ضوء ما سيحدث في أرض الواقع والأهم هو مدى تقبل الشعب العراقي لوضع هذه المرحلة وهل ستحدث مقاومات محدودة أم كبيرة للأوضاع الجديدة غير انه من المسلم به ان كراهية الشعب العراقي لحزب البعث ومنظماته ستكون الشغل الشاغل للإدارة الجديدة ومن ثم اعادة إنشاء منظمات حديثة ومؤسسات جديدة تلعب دورا في تشكيل ساحة سياسية جديدة في العراق قد تستغرق وقتاً غير قصير.. وأشار إلى ان مشكلة الاكراد في الشمال وسعيهم الحثيث إلى فرض نفوذهم على شمال العراق امر بالغ القلق للإدارة الأمريكية وبنفس المستوى للحكومة التركية التي ترفض دائما ايجاد أي قوة كردية تهدد مستقبل أمن وسلامة تركيا بأي شكل من الاشكال خاصة وان عدد الاكراد في تركيا وحدها يصل إلى 12 مليون كردي إضافة إلى 4 مليون في شمال العراق و2 مليون في ايران ومليون في سوريا، مؤكدا ان هذا الامر لو تحقق للأكراد فانه سيؤدي إلى تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة دولة كردية في الشمال وبالتالي سيكون سعي اهل الشيعة لإقامة دويلة في الجنوب وكذلك السنة في وسط العراق وهذا السيناريو من تقسيم العراق تخشى منه الدول المجاورة كما تخشى منه امريكا التي وعدت قبل بدء حربها على العراق انها ستحافظ على وحدة اراضي العراق وهو ما يضمن لها مصالحها في المنطقة من خلال حكومة موالية لها.
وأوضح ان الموقف العربي الآن واضح ويتمثل في تصريحات العديد من القادة العرب هو ضرورة رفع اليد والوصاية عن العراق وترك البلاد للعراقيين يديرونها بمعرفتهم ووفق رؤيتهم المشتركة ويتحملون مسؤولياتهم ويكونون مستعدين لمواجهة التحديات التي ستواجههم وقال إن هذه الرؤية هي الأصلح لعصر ما بعد صدام ولكن لا احد يعرف ماذا سيحدث في الأيام القادمة.
ودعا حجازي الأمة العربية للعمل على ان يكون الحكم في العراق للعراقيين حتى لا يصبح الوضع في العراق مثلاً وقدوة للتقسيم والتجزئة لبعض الدول لأسباب قد تراها الإدارة الأمريكية تخدم مصالحها واهدافها الاستراتيجية إضافة إلى دور هام لا بد ان تلعبه الجامعة العربية والامم المتحدة في إدارة الامور إلى ان تصبح كاملة في أيدي العراقيين.
|