نطرح عدة فرضيات عن الاسباب الحقيقية من وراء الغزو الأنجلو- أمريكي للعراق.. بعضها وهمي أو غير صحيح، وبعضها لا مجال لإنكاره، فنتائجه نراها ليس يوميا، ولكن منذ عشر سنوات أو أكثر.. وإن كان مبدأ الغزو من أساسه مرفوضاً بل إن مردوده كان عكسيا، فبدلاً من أن يخنق الضحية جلاده، رأيناه يحاول خنق من يريد إنقاذه من هذا الجلاد!
هناك من يطرح البترول العراقي كهدف من أهداف الاستيلاء على العراق، مع إن أي مطلع على مجريات أسواق الطاقة، سوف يجد أن نفط العراق لا يمثل أكثر من 3% من الانتاج العالمي، إضافة إلى أن هذا النفط، لا مكان لتصريفه لغير الاسواق العالمية، إما لمن يدفع أكثر، وإما حسب آليات نظام السوق في اوبك.. ولن يقول لنا أحد أن بترول العرب للعرب، لأن العرب يملكون البترول، ولكنهم للأسف، لا يملكون القنوات التقنية، التي تجعلهم يستفيدون من هذه الثروة، فالمصانع والمعامل والمراكز البحثية والتكنولوجية، تكاد تكون معدومة، بل إن أي دولة في العالم العربي، ستتعرض إلى ازمات داخلية وخارجية لا حصر لها، لو امتنعت شهراً واحداً عن بيع نفطها، إن هذا الذهب الأسود، يذهب لمن يحسن استخدامه، أما نحن فلنا إيراداته، التي بها بنينا وعمرنا مدننا وطرقنا وجامعاتنا، وحتى أبنائنا واسمنا في العالم الخارجي!
أما الفرضية الثانية فهي وصف هذه الحرب بأنها صليبية، ومع إننا لا نستبعد أي شيء، إلا انني أنظر إلى أوروبا وأمريكا وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية وغيرها من دول العالم، فأجد أن هذه الدول تسمح للمسلمين، على أرضها ببناء وتجهيز المساجد والجوامع والمراكز الإسلامية الفخمة والمجهزة على أحدث مستوى، وبعض هذه الدول لا تكتفي بذلك، بل انها قد تساهم بتقديم الأرض، وجزء من تكاليف البناء، وهناك العديد من المدارس الأجنبية، انطلاقاً من حق الإنسان في أن يمارس عبادته بحرية وبما لا يضر بالطرف الآخر، أجرت بعض التعديلات في المناهج، وبالذات للصفوف الأولية، إذا كان طلاب تلك المدرسة من أكثرية إسلامية أو غير إسلامية، والمؤسف إن المعاناة في الدول الأجنبية، التي تضم جاليات اسلامية، لم تكن من الدولة، ولكنها من المسلمين أنفسهم، في تلك الدولة، الذين يتصارعون فيما بينهم على الإمامة والخطابة!!
أما الفرضية الثالثة فهي احتلال العراق، ولا يوجد في هذا العصر محلل جاد يؤمن فرضية كهذه، ليس لأن الدول لا تطمح إلى توسيع رقعتها، كما حاول صدام مع إيران والكويت، ولكن لأن تكاليف الاحتلال أكبر بكثير من فوائده، لو لا ذلك لما اختفت من الخارطة الإمبراطوريات البريطانية والعثمانية والبرتغالية والفرنسية، فليس هناك في حجم القلق والخسائر مثل الاحتلال.. ولو كان الأمر كذلك لبقيت الولايات المتحدة، في كل دولة غزتها، وأبرزها في تاريخنا القريب اليابان وأفغانستان والبوسنة والهرسك.. ولم يبق أمامنا بعد هذه الفرضيات، إلا العمل على خلق جدار آمن حول الولايات المتحدة، القوة المهيمنة الآن، وهذا الجدار لكي يكون آمناً فإنه يتطلب حسب وجهة النظر الغالبة في وسائل الإعلام:
1- إزاحة صدام من الحكم فيما يبدو، وكأنه تكفير عن خطيئة بوش الأب، الذي لم يقلعه من العراق في أحداث حرب عاصفة عام 1990م، بحجة أن القانون الأمريكي يمنع إزاحة الرؤساء، تحت أي ذريعة، كأن اجتياح الدول ورجمها بالصواريخ، وسحقها بالدبابات، غرضه القيام بجولة سياحية، على الأنقاض، وكأن تلك الأنقاض، التي بسبعة أرواح، صدام حسين!!.
2- القضاء على أسلحة الدمار، التي تعتقد الولايات المتحدة، أن صدام يحتفظ بكميات كبيرة منها، لتهديد جيرانه، خاصة أن صدام استخدم بعض هذه الأسلحة، ضد الأكراد والشيعة، بعد إخراج العراق من الكويت، بقيادة قوات التحالف.
3- القضاء على بذور الإرهاب، التي - يا للسخرية- ساهمت الولايات المتحدة على زرعها وتربيتها، حتى لدغت منها فيما عرف بأحداث سبتمبر، فأصبحت كالرجل المجنون الذي يركض خلف غريم هو أشبه بالمارد، يرى ظله، ولا يرى جسمه!
4- إيجاد طريق آمن، لحل يضمن العيش بأمان، لحليفتها إسرائيل، بخلق طاقم سياسي، يؤمن بطروحاتها وفرضياتها، ومع أن هذا موجود، للأسف الشديد، إلا أن خروجه علنا، كان يحتاج إلى بعض اللمسات، التي نرى جزءاً منها الآن، على أرض العراق.
5- توجيه رسالة إلى كثير من الدول، وبالذات الأوروبية، التي مازالت متأخرة، عن طابور الهيمنة الأمريكي، وسوف يتم الإجهاز على هذه الدول تدريجياً، بانتهاء العمليات العسكرية، وبدء حصد الغنائم التي سوف تتمثل بدءاً بإعمار العراق، وعقود إدارة الموانئ، وتصدير النفط، وتأمين المعدات والمواد التموينية والأدوية ومواد البناء.. الخ. الحاكم العاقل والمسؤول هو الذي يضع مصلحة شعبه وبلاده، فوق مصلحته، وهذا هو ما كان مفروضاً أن يعمله صدام حسين.. لكن الدكتاتورية في كل مكان تحشر نفسها في كل شيء «البلاد والعباد»، لذلك تدخل البلد على دبابة، ولا تخرج منه إلا محمولة على نعش، ولابد أن هذا سيحدث في يوم ما.. حتى لو تحولت البلاد ومعها العباد إلى أرض بور!
إن العراق وبكل حضارته وتراثه، لا يستحق ما يجري على أرضه، من تكسير للنفوس، ونهب للثروات، أو تخريب لجميع المنجزات، لكن حماقة المغامر، قادرة باستمرار، على إحداث خرم في القربة، كلما امتلأت بالماء أو السمن أو العلم أو المنجزات، وهكذا كلما تقدم هذا البلد خطوة، كان صدام يعيده للوراء خطوات!!
فاكس : 4533173
|