تعقيباً على ما نشر في الجزيرة من مواضيع عن التعليم أقول: لقد دخل السرور إلى قلوب كثير من فتياتنا اللاتي أوصدت دونهن أبواب إكمال الدراسة في الجامعة بسبب قرار وزير المعارف المتضمن إلحاق أربعين ألف طالبة تقريباً للدراسة في برنامج الانتساب، وهذا قرار اتخذته الوزارة بعد أخذها راية العطاء التي حملتها الرئاسة سنوات طويلة، وقد أخذتها الوزارة، ونسأل الله أن تكون على قدر المسؤولية التي أنيطت بها لتكمل مسيرة العطاء التي بدأتها الرئاسة، والتي حققت نجاحاً أبهر العالم في مجال تعليم المرأة، ونحن متفائلون بأن الوزارة سيحالفها النجاح، فهي تجمع بين خبرتين، خبرة الرئاسة وخبرة الوزارة.
إن مسيرة العطاء التي أكملتها الوزارة لكي تحقق النجاح لابد من أن يكون هذا العطاء متناسباً مع امكانيات وحاجة المجتمع، وبناء على ذلك فلي بعض الملاحظات على قرار الوزارة الخاص بإلحاق طالبات الانتساب لإكمال الدراسة:
هل المجتمع يحتاج لهذا الكم من الطالبات ليتخرجن ويشغلن وظائف في المجتمع، والواقع أن الخريجات منذ سنوات لم يجدن وظائف لكي تتقدم الوزارة فتزيد الخريجات.
هل الأفراد - أي الطالبات - محتاجات لهذه الدراسة في هذه التخصصات سواء حاجة وظيفية أو ثقافية أو اجتماعية أم أنها ملء وقت فراغ فحسب؛ أما عن الحاجة الأولى ففي السؤال السابق إجابة لها، وأما عن الحاجة الثقافية فمن الملاحظ الذي لا يحتاج إلى متابعة تدني مستوى التعليم لدينا مع انتظام الطالبات أثناء الدراسة الجامعية، فكيف والحال منتسبات، وعند ملاحظة نسبة النجاح نجد أن نسبة نجاح المنتسبات لاتكاد تتجاوز 27% وبمستوى هابط ضعيف، ومن التجربة الواقعية نلاحظ أن المستوى الذي تتخرج الطالبات عليه لا يتناسب مع الجهد المبذول من الجهات التعليمية، وهذا يبين لنا أننا لم نحقق إشباعاً ثقافياً لبناتنا بهذه الطريقة، وأما الحاجة الاجتماعية التي تطمع فيها الطالبة وهي الوجاهة في المجتمع فإن الناظر يجد أن الطالبات حصلن عليها، ولكن هل يا ترى هذه الوجاهة تجعلني أدفع بابنتي لتدرس ست سنوات فأكثر بسبب الرسوب وتذهب سني عمرها ووقتها وجهدها من أجل الحصول على لقب جامعية، هل ديننا ومنهجنا أمرانا بطلب العلم ليقال عالم وقارئ وجامعي، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم: ورجل تعلم القرآن وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمته، وقرأت القرآن، قال: كذبت ولكن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار»، رواه مسلم.
فهل ديننا دين شكليات ومظاهر.
وأما عن الحاجة الأخيرة وهي ملء الفراغ، فأنا أقول: لم تتحقق ولو تحققت لما خرج لنا هذا المستوى الهابط المتدني من الناحية العلمية والعملية.
إذن المشكلة التي أرادت الوزارة حلها، وبذلت من أجلها كثيراً من الجهود عن طريق إصدار الأوامر دون توفير الطاقات بشكل فعلي لم تحل وهي قائمة.
إذن ما الحل؟
الحل يتمثل بإقامة دورات مختلفة لخدمة أفراد المجتمع في أغلب التخصصات وخاصة التي يحتاج لها الأفراد والمجتمع. ما المانع من إقامة دورات لا يتجاوز وقت الدورة الشهرين، وتكون مقابل رسوم يدفعها الطالب؛ فلا يتقدم إلا الراغب فقط، وليس الهاوي الذي لا يرى ضرراً في الرسوب، أو حتى فائدة في النجاح؟
هذه الدورات ستحقق نتائج طيبة بإذن الله، من هذه الدورات مثلاً دورات لتعليم الخياطة، ودورات في الإسعافات الأولية، ودورات لتعليم إدارة المنزل وحل المشكلات الزوجية، ودورات لتعليم الطبخ، ودورات لتعليم الحاسب الآلي، ودورات لتجويد القرآن وحفظه، ودورات لتعليم الحديث النبوي وحفظه، ودورات لتعليم أساليب العربية والإلقاء والكتابة والإملاء، ودورات لتعليم اللغة الإنجليزية، ودورات لتعليم مبادئ الهندسة الكهربائية، وغيرها كثير حسبما يحتاج المجتمع والأفراد.
إن مثل هذه الدورات لا تستغرق وقتاً طويلاً من عمر المرء، وهي تأتي بنتائج إيجابية فعلية سريعة، فأنا أعرف إحدى الأخوات لديها ثقافة في الكهرباء وأفادت من هذه المعرفة من حولها من المعارف والأقارب حيث تصلح بعض الأعطال اليسيرة لهم، وإحدى الأخوات التحقت بمعهد الخياطة، وقد حققت من الفائدة لأسرتها ما لم تحققه أخواتها الجامعيات اللاتي لم يحصلن على وظيفة.
أرجو من المسؤولين النظر في قرار فتح باب الانتساب مرة أخرى خاصة بعد خروج النتائج «المتدنية بالتأكيد» ليعيدوا النظر في هذا القرار، فقد كان النجاح أقل من 1% من المتقدمات، فهل من أجل هذه النسبة تبذل الجهود والطاقات.
إن ما دفعني للكتابة هو منظر الطالبات اللاتي تم قبولهن، لقد أثرن الحزن في نفسي وهن يتخبطن خبط عشواء لأخذ المناهج والتسجيل في المساء، وكل طالبة معها والدتها تذهب يمنة ويسرة للبحث عن المناهج والمواد وملاحقتها في المكتبات المختلفة لشراء الملازم المختلفة، لقد تكبدت خسائر مادية ونفسية من أجل إكمال الدراسة المزعومة.
وأخيراً لتتذكر الوزارة جسامة الأمانة الملقاة على كاهلها ومسؤوليتها أمام الله في مساعدة بناتنا للاستفادة من أوقاتهن، ولتتذكر أنه ليس من الواجب أن يصبح المجتمع كله جامعيات، بل إنه من الأفضل له أن يكون هناك تفاوت، فالله خلقنا وجعلنا مختلفين في قدراتنا العقلية ليتحقق التكامل في خلافة الأرض، وإقامة المجتمع، فما الفائدة إذا كان المجتمع كله جامعيين ولا يوجد لدينا من يقوم بالخدمات المختلفة لهؤلاء الجامعيين، قال تعالى: {أّهٍمً يّقًسٌمٍونّ رّحًمّتّ رّبٌَكّ نّحًنٍ قّسّمًنّا بّيًنّهٍم مَّعٌيشّتّهٍمً فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّرّفّعًنّا بّعًضّهٍمً فّوًقّ بّعًضُ دّرّجّاتُ لٌَيّتَّخٌذّ بّعًضٍهٍم بّعًضْا سٍخًرٌيَْا وّرّحًمّتٍ رّبٌَكّ خّيًرِ مٌَمَّا يّّجًمّعٍونّ}(1)، وما ضر مجتمعنا يوم أن كانت المرأة في بيتها، توليه اهتمامها وجهدها وتفكيرها تخدم أولادها، وتقوم بواجبها نحوهم من تعليم وتربية وتوجيه، إننا عندما نستحوذ على اهتمام المرأة ووقتها بشغلها سنوات في الدراسة التي لن تستفيد منها نكون أخطأنا من حيث أردنا الإصابة، وألحقنا بها الضرر من حيث أردنا الإفادة.
إن قصر الدراسة الجامعية على المتفوقات القادرات على الجمع بين الدراسة وشؤون البيت هو الوضع السليم، أما اللاتي لم يحققن التفوق أثناء الدراسة الثانوية فلهن مجال آخر يستطعن الإبداع فيه أكثر والظهور فيه والعطاء، والتعليم الجامعي عندما يلتحق فيه من يستطيع ومن لا يستطيع فإن التعليم بصفة عامة سيسير بحلقة مفرغة، إذ سيتخرج معلم ضعيف وبالتالي سيخرج طالب ضعيف و هكذا. وفق الله الوزارة إلى ما فيه الخير والفائدة.
أسماء الوائلي
(1) سورة الزخرف: 32.
|