Tuesday 15th april,2003 11156العدد الثلاثاء 13 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
انتهت اللعبة!
شاكر سليمان شكوري

في لحظة اسطورية خارقة فارقة، قلما يتكرر ظهورها على شاشات التاريخ، سقطت بغداد والعين تذرف على شعبها دماً، ومعها سقط - غير مأسوف عليهم- صدام وطغمته، والتفت العالم كله، مشدوهاً بفعل الصدمة المدوية التي تمثلها لحظة السقوط من حيث التسارع وانعدام المقاومة، فالأعداء والأصدقاء على السواء يطالعون ما جرى في عاصمة الرافدين وما يجري، ومن الذاكرة القريبة، ربما ذاكرة الساعات القليلة قبل السقوط المدوي، يستعيدون تلك العنتريات التي ظلت تهدد بالموت والثبور وعظائم الأمور كل من تسول له نفسه أن يقترب من أسوار تلك التي كانت يوماً عاصمة الرشيد، كما يستعيدون المقاومة العراقية العنيدة في أم القصر والبصرة وغيرهما من مدن العراق التي صمدت في وجه التحالف الرهيب ببسالة حتى آخر رمق دفاعاً عن حمى العراق لا عن حمى الطاغية، وذلك ما دعا الجميع إلى احترام تلك المقاومة وتوقعوا أن تشهد العاصمة العصية المعصومة - كما كان يقال- مقاومة أشد وأعنف، ولا أن تسقط على هذا النحو المفاجئ ودون أية مقاومة، فمن الطبيعي أن يتساءل الجميع عن سر هذا السقوط العجيب وملابساته وهو السؤال الذي سيظل عالقاً حائراً حتى مثول هذا المقال بين يدي القارئ العزيز- على الأقل- رغم كل التسارع الذي يصبغ أحداث المشهد الرهيب وفي غياب الحقيقة ينشط الذهن في المقابل ويقدح العقل زناده للوصول إلى تصور لسيناريو ذلك المجهول، عن طريق الرؤية والسمع والمقارنة والتحليل في محاولة لفك شفرة الحقيقة الغائبة عن الوعي.
وفي حالة كالتي نحن بصددها تتصدر نظرية المؤامرة والخيانة كل ما عداها من أطروحات، وفي هذا السياق يذهب كثيرون إلى أن الخادع المخاتل قد خان معشوقته إلى حد التآمر عليها، بل إنه ظل يتآمر عليها منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها دهور العشق المزعوم، والحقيقة أن ذلك المخادع لم يعشق قط سوى ذاته، ولديه الكثير من العقد النفسية المتراكمة بفعل ظروفه الخاصة بدءاً بتزييف نسبه، وهذه العقد أهلته لأن يصبح شمشونا آخر ولكن شدة نرجسيته جعلته يضمن بحياته مكتفيا بهدم المعبد على رأس كل الرعايا من مؤيدين ومعارضين، والفرار بطغمته إلى عالم المجهول فأي مأساة تلك التي نحن أمامها نطالع، وكيف الخلط والزيف بين الوطنية والبطولة والإقدام، وبين الخيانة «العظمى» والبطولة الزائفةعلى حساب دم الضحايا لا دم الزعيم، والانتحار الجماعي بالشعب أملاً في أن تلوح في الأفق فرصة ولو كانت - جد ضئيلة- إلى حد العدم، فلا بأس في نظر المجنون من المقامرة بشعب في سبيل مجده.. مجد الزعيم وإن كان وهماً!
شخصياً.. ومن كل هذا الزخم المعلن عبارة استوقفتني على لسان محمد الدوري مندوب العراق «السابق» في الأمم المتحدة عندما لاحقته الصحافة حتى باب منزله عشية سقوط بغداد حين قال انتهت اللعبة! وسألت نفسي بجزع بالغ الشدة هل يعني هذا أن العراق بكل تاريخه وحضارته وعراقته كان مجرد لعبة في يد طفل اخرق معقد.
حطمها بكلتا يديه بعدما استنفد منها غرضه؟!!
ملحوظة: بين جحافل الذين يخربون المصالح الحكومية في بغداد ومدن العراق الأخرى، قلة جاءت للنهب والسرقة بالفعل لكن الكثرة جاءت لتنفس عن سخطها الشديد على النظام الذي أحكم الطوق على أعناقهم لما يناهز ربع قرن ثم قادهم إلى تلك النهاية المأساوية وغاب عن هؤلاء الناقمين - في سورة
الغضب- انهم يجلدون ذواتهم بما يفعلون!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved